
غادر الفنان محمد فوزي مستشفى العجوزة بعد أن خضع لعملية جراحية ناجحة لإزالة الحصوة التي كانت تؤرقه منذ سنوات. أقام فوزي في المستشفى ثلاثة أسابيع كاملة، في الجناح رقم (3)، الذي ضم غرفتين وصالونًا؛ الأولى كانت له، والثانية لزوجته الحسناء كريمة، المعروفة سابقًا بفاتنة المعادي، والتي كان لها الفضل الأكبر في إقناعه بإجراء العملية التي ظل يتهرب منها طويلًا.
قبل دخول المستشفى، كان فوزي يعاني من آلام متكررة، لكنه كان يعاند ويكابر، مفضلًا المسكنات والعقاقير على مبضع الجراح. سافر إلى أوروبا ثلاث مرات خلال عامين بحثًا عن علاج دون جراحة، لكن الأطباء هناك أجمعوا على أن الحل الوحيد هو العملية. ورغم تحذيراتهم من مضاعفات خطيرة، ظل فوزي متمسكًا برأيه، يخفي ألمه عن الجميع، حتى عن زوجته الجديدة.
كانت كريمة تظنه بخير، بينما كان فوزي يقضي لياليه في صراع مع الألم، يتقلب في فراشه بصمت، محاولًا ألا يوقظها. ولكن في إحدى الليالي، اشتد عليه الوجع حتى لم يعد قادرًا على الكتمان، فأطلق أنينًا أفزع زوجته من نومها. سارعت إليه، وحين طلب منها أن تحضر له زجاجات الدواء من المكتب، أدركت لأول مرة أن زوجها يخفي عنها شيئًا خطيرًا.
بدلًا من أن تذهب إلى المكتب، أمسكت كريمة بسماعة الهاتف واتصلت بأحد الأطباء المقربين منه، الذي حضر على الفور. وبعد فحص سريع، قال للطرب الأسمر بصرامة:
“يجب أن تُنقل إلى المستشفى فورًا يا أستاذ فوزي، حالتك لم تعد تحتمل التأجيل.”
لكن فوزي تمسك برفضه، قائلاً بصوت واهن:
“لا يا دكتور، بلاش عملية.. أرجوك.”
حاولت كريمة إقناعه، لكنه تمسك بأطراف السرير وكأنه يخشى أن يُنتزع منه عنوة. عندها اتفقت مع الطبيب على خطة سرية: أن يحقنه بإبرة منومة، لينقل إلى المستشفى وهو غائب عن الوعي.
في تلك الليلة، وبينما كانت كريمة تجهز حقيبته وملابسها وتستعد للرحيل، كان فوزي يتلوى من الألم. مد يده للطبيب الذي وخزه بالإبرة، فغاب بعدها عن الوعي، ليصحو في صباح اليوم التالي وسط غرفة بيضاء، وعلى وجه زوجته ابتسامة مطمئنة.
قال له الطبيب مبتسمًا:
“مبروك يا أستاذ فوزي، العملية نجحت والحمد لله.. بعد أيام قليلة ستعود إلى بيتك، والفضل في كل هذا يعود إلى ممرضتك الجميلة.”
تلاقت نظرات فوزي بعيون كريمة، وامتلأت الغرفة بدفء الحب وامتنان النجاة.
ومع الأيام التالية، بدأ نزلاء المستشفى يلاحظون الحسناء الجديدة التي تتحرك بين الغرف بخفة وأناقة، تحمل الأدوية تارة، والمجلات والزهور تارة أخرى، وتبتسم في وجوه المرضى متمنية لهم الشفاء.
وذات مساء، استدعاها رئيس الأطباء وسألها ممازحًا:
“هل ترغبين في العمل كممرضة لدينا؟”
ضحكت كريمة قائلة:
“لكني بالفعل أعمل ممرضة لفوزي يا دكتور!”
فأخبرها الطبيب بأن إدارة المستشفى تلقت عشرات الرسائل من المرضى يطلبون أن تتولى الممرضة الجديدة رعايتهم. فاقترح أن ترافقه في جولة سريعة بين غرف المرضى ليكشف لهم الحقيقة: أنها ليست ممرضة، بل زوجة المطرب محمد فوزي.
غير أن المفارقة كانت مضحكة ومؤلمة في آن؛ فبعد الجولة، فوجئت كريمة بزوجها يرد على الهاتف في غرفته، وكان المتصل أحد المرضى يقول:
“من فضلك يا أستاذ فوزي، ممكن تبعت لنا الممرضة كريمة علشان تشوف الدواء!”
اضطرت إدارة المستشفى لاحقًا إلى رفع سماعة الهاتف من غرفة فوزي بعدما انهالت الاتصالات التي لم تتوقف، وجميعها تسأل السؤال نفسه:
“فين الممرضة كريمة؟”
وهكذا تحولت الزوجة المخلصة، التي أنقذت حياة زوجها بخطتها الجريئة، إلى ممرضة المستشفى الأشهر، وأصبحت قصتهما واحدة من أجمل الحكايات الإنسانية في الوسط الفني كما روتها مجلة الموعد في ستينيات القرن الماضي.




