
منذ أن بدأت الفنانة كاريمان تخطو خطواتها الأولى في الطفولة، تولّد بداخلها شغف غريب بركوب الدراجات. لم يكن مجرد تسلية، بل إحساس بالحرية والانطلاق. في سنواتها الأولى، اشترى لها والدها دراجة بثلاث عجلات، فكانت تجوب بها فناء المنزل بفخر طفلة ترى العالم أوسع مما يبدو. لكن ما إن بلغت الخامسة، حتى طلبت منه أن يشتري لها بسكليت بعجلتين فقط، معتبرة أن العجلة الثالثة لا تليق بعزيمتها ولا بطموحها الصغير.
استجاب الأب، وجاءت الدراجة الجديدة، فأصبحت رفيقتها الأقرب، والوسيلة التي شعرت معها أنها تطير لا تسير. وكانت كاريمان تجد نفسها حين تمتطيها، وتشعر بالهواء يراقص شعرها، وبأنها أصبحت قادرة على صناعة دهشتها الخاصة.
وذات صباح، كانت عائدة من نزهة قصيرة حول المنزل، تقود دراجتها بثقة وفرح، حين التقت على باب البيت بـ “الغسالة” الجديدة ـ وهي السيدة التي جاءت لمساعدة والدتها ـ فنادتها قائلة: “وإنتِ يا ليلى ـ وهو اسمها الحقيقي ـ بتعرفي تركبي عجل؟ وريني كده!”
كانت تلك الكلمات كفيلة بإشعال الحماس في قلب كاريمان، فأسرعت تستعرض مهاراتها، تدور بدراجتها بخفة وثقة، وكأنها راكبة محترفة. كانت المرأة تتابع بانبهار وتصيح: “عفريتة يا بنتي! شوفتوا البنت الصغيرة بتركب بسكليته بعجلتين!”
لكن قبل أن تكمل عبارتها، فقدت كاريمان توازنها فجأة، وارتطمت بالدراجة، وبدأ الدم ينزف من ركبتها بغزارة. هرعت إليها “الغسالة” تولول وتردد: “يا عيني يا بنتي.. يظهر حد حسدك!” وكانت تلك أول مرة تسمع فيها كاريمان كلمة “الحسد”، لتدرك أن نظرة إعجاب قد تتحول ـ في اعتقاد الناس ـ إلى سهم يصيب النجاح في لحظة.
كاريمان تقول إنها لم تتوقف عن حب ركوب الدراجات، لكنها تعلمت درسًا مهمًا: أن المهارة لا تحتاج دائمًا إلى استعراض، وأن الثقة جميلة، لكن التواضع أجمل. وأن النجاح الحقيقي ليس في أن تبهر الآخرين، بل في أن تحافظ على توازنك، حتى حين تشتد نظرات الإعجاب.
ومن يومها، بقيت الدراجة هوايتها الأولى، لكن بحكمة جديدة، تقول: ليس كل إعجاب سلامًا، وليس كل دهشة تصفيقًا، وبعض الانتصارات تحتاج إلى صمت أكثر من التصفيق.




