في ذكرى رحيل وحش الشاشة.. كيف وظف فريد شوقي الفن لخدمة المجتمع ؟

تربينا على الفن، عشقناه و لامس قلوبنا، ضحكنا و بكينا معه، و ترسخ في أذهاننا أن وظيفة الفن هي فقط الإمتاع، ولكن الفن أعظم من ذلك بكثير؛حيث أنه قادرٌ على إصلاح مجتمعات،
و أرقى بكثير من البلطجة و الإسفاف الذى يطلق عليهما فن، فهو حالة نندمج و نعيش فيها تنير مناطق مظلمة في عقولنا، تجعلنا نفكر و ربما تدفعنا لتغيير أنفسنا، فهي تجعلنا نعيش حياة أخرى فندرك قيمة ما لدينا و نحترم غيرنا و نتفهم أسبابه و لكن هل يخطر في بال أحد أن يقوم الفن بتغيير القانون الذى طُبق لعقود طويلة؟!
هذا ما قام به وحش الشاشة، الفنان الكبير فريد شوقي و اليوم في ذكرى وفاته سنعرض لكم كيف وظف”فريد”الفن لإصلاح المجتمع، فهو الفنان الوحيد الذى أهتم بتناول أزمات لم يتطرق إليها أحد غيره وقتها و نجح في ذلك؛ فقدم فيلمين غيرا القانون المصري.
تم إصدار قانون الإعفاء عن السبقة الأولى في الصحيفة الجنائية حتى يتمكن المخطيء من بدء حياة جديدة.
قدم”فريد”فيلم جعلوني مجرمًا و الذي عُرض عام ١٩٥٤م، و العمل قائم على قصة حقيقة و تدور أحداثه حول شاب لم يجد من يحسن تربيته بعد وفاة والده الذى تزوج والدته زواجًا عرفيًا، يستولى عم الشاب على ثروته و يبددها على الحفلات الصاخبة و يصبح الفتى ضائعًا في الطريق فتلتقطه عصابة للنشل، تتوفى الأم فيلجأ إلى عمه فيطرده و يوُدعُه في إصلاحية، يحاول أن يجد عملاً شريفًا بعد خروجه من الإصلاحية و لكنه يفشل، فتدفعه الظروف لينضم لعصابة و يلتقي مع مطربة في كباريه، فيحبها و ينافسه عمه على حبها، ويظل العم يطارده في كل مكان، يُتهم ظلمًا في جريمة قتل و يقضي فترة العقوبة، تحاول المطربة الوصول لدليل براءته و حين تحصل على هذا الدليل، يكون هرب من السجن و ذهب لمقابلة عمه و قتله و أصبح مجرمًا بالفعل.
العمل من بطولة فريد شوقي، هدى سلطان، يحيي شاهين، سراج منير، نجمة إبراهيم، محمد رضا، و من إخراج عاطف سالم، و سيناريو و حوار نجيب محفوظ، السيد بدير و عاطف سالم، و قد تولى”فريد”إنتاج العمل، إلى جانب أن الفيلم من قصته بمشاركة رمسيس نجيب، و بعد عرض الفيلم و نجاحه و في سابقة هي الأولى من نوعها، تستجيب الحكومة تأثرًا بالقصة و بأن جريمة واحدة قادرة على القضاء على حياة إنسان، و أحيانًا يكون دُفع به ظلمًا، لذلك تم تغيير القانون لينص على”الإعفاء من السبقة الأولى في الصحيفة الجنائية”.
لقد جعل هذا الفيلم وزارة الخارجية تعيد النظر في القواعد المعمول بها، وأصبحت تسمح للسجناء بالخروج المؤقت وفقًا لقواعد و معايير معينة
بعد مرور ما يقرب من ٢٠ عامٍ كرر”فريد”تجربته و تبنى قضية قانونية جديدة، فقدم فيلم كلمة شرف عام ١٩٧٣م، و العمل من بطولته ومعه أحمد مظهر، هند رستم، نور الشريف، رشدي أباظة و نيللي، و من إخراج حسام الدين مصطفي وقصة و سيناريو فاروق صبري و فريد شوقي
تدور أحداث الفيلم حول محامي شاب قُبض عليه بسبب جريمة لم يرتكبها حيث أن شقيق زوجته قد أخطأ مع فتاة ورفض الزواج منها، فأضطر هو للذهاب بتلك الفتاة إلى الطبيب ليقوم بعملية إجهاض لها و يمضي تعهد بمسئوليته، زاعمًا بأنه زوجها، ولكن تموت الفتاة أثناء العملية ويتم القبض عليه ولم يعترف بالحقيقة خوفًا على صحة زوجته المريضة، ويحاول الهرب عدة مرات ليعترف لزوجته بأنه لم يخونها أبدًا، ولكنه يفشل في ذلك وتتغلظ عليه العقوبة مرة بعد مرة، حتى يعطف عليه ظابط يعلم ببرائته ودائمًا يحاول مساندته، وعندما يتم إبلاغهم بأن زوجته على فراش الموت يسمح الظابط له بمغادرة السجن لمدة 12 ساعة فقط ويعود السجن مرة أخرى ولا يحاول الهرب مجددًا،
ويعده على ذلك بكلمة شرف، وبالفعل يذهب لزوجته و يخبرعا بحقيقة الأمر وتموت بين يديه ويعود وينفذ وعده مع الشرطي.
و هكذا كان النجم فريد شوقي فنان بدرجة إنسان، فما أكثر الفنانين، و لكن حين يجتمع الفن بالإنسانية تنتج أعمال تصلح من عالمنا و تجعله أرقى، و”فريد”كان أعظمهم فكان يتبنى قضية و يحاول توصيلها بكل جهده و كان سلاحه دومًا هو الفن، فسخر أمواله و أنتج تلك الأفلام في سبيل توصيل رسالته، نعم لم يكن يوم من مهام السينما سن القوانين و التشريعات لكن التنبيه واجب، و ما أعظم تلك اللحظة التي تتحول فيها النصيحة الفنية لقرار حي يُنقذ الكثير، و هنا يأتي السؤال متى يدرك فنانو الجيل الحالي بإن للفن وظائفٌ أخر غير الترفيه؟