
لا تزال وفاة الفنانة أسمهان لغزًا يثير الجدل حتى يومنا هذا، فقد صاحبت رحيلها العديد من التساؤلات حول طبيعة موتها، وهل كان حادثًا طبيعيًا أم هناك شبهات جنائية تحيط به. وتعددت الأقاويل والفرضيات التي حاولت تفسير هذا الحدث المأساوي، ولم يتمكن أحد من كشف الحقيقة الكاملة حتى الآن.
من أبرز الشكوك التي أحاطت بأسمهان كان ارتباطها بأنشطة المخابرات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية. إذ سعت قبل نحو ثلاث سنوات من وفاتها إلى مساعدة الإنجليز في مواجهة نفوذ حكومة فيشي الفرنسية الموالية للنازيين في لبنان وسوريا. وقد اعتبر البعض أن هذا النشاط السياسي قد يكون سببًا محتملاً لاستهدافها، خاصة في ظل الأوضاع المضطربة التي كانت سائدة في المنطقة آنذاك.
أما عن فرضية أخرى، فقد تناولت علاقة أسمهان بزوجها أحمد سالم، حيث وُصفت هذه العلاقة بالمليئة بالخلافات. فقد عُرف عن زوجها غيرته الشديدة عليها، ورفضه لسهراتها المتكررة والتزاماتها الفنية التي كانت تحتل جزءًا كبيرًا من حياتها. وقد حاولت بعض التحقيقات في ذلك الوقت ربط وفاتها بصراع داخلي بين الزوجين، إلا أن الأدلة لم تثبت أي تورط مباشر من جانبه، وظلت هذه الفرضية مجرد تكهنات.
وبالرغم من هذه الشكوك، فإن الرواية الرسمية تشير إلى أن وفاة أسمهان كانت حادثًا مأساويًا. ففي 14 يوليو عام 1944، كانت الفنانة الشابة في طريقها إلى رأس البر لقضاء عطلة الصيف برفقة صديقتها ومديرة أعمالها ماري قلادة. على الطريق، فقد السائق السيطرة على السيارة فانحرفت عن مسارها وسقطت في ترعة الساحل الواقعة حاليًا في مدينة طلخا. وقد لقيت أسمهان وماري حتفهما غرقًا عن عمر يناهز 32 عامًا، بينما نجا السائق من الحادث دون إصابات، لكنه اختفى فور وقوعه، مما أضاف طبقة جديدة من الغموض حول الواقعة.
وقد أثارت وفاة أسمهان صدمة واسعة في الوسط الفني والجماهيري، إذ كانت واحدة من أبرز نجمات مصر في ذلك الوقت، وصوتها وسحرها الفني جعلاها رمزًا خالدًا في قلوب الناس. ورغم مرور العقود على رحيلها، إلا أن الحديث عن حياتها وموته الغامض لا يزال يتردد بين محبي الفن والباحثين عن أسرار الفن القديم.
تظل وفاة أسمهان قصة مأساوية مركبة بين البهاء الفني والسياسة والدراما الشخصية، حيث جمع رحيلها بين الغموض والإعجاب، وأصبحت مثالاً على النجمات اللاتي رحلن مبكرًا وتركّ ذكرهن أثرًا لا يمحى في تاريخ الفن العربي. سواء كانت وفاتها نتيجة حادث مؤسف، أو مرتبطة بشبهة سياسية أو عاطفية، فإن أسمهان ستظل واحدة من أكثر الفنانات شهرة وإثارة للجدل، وصوتها وأسطورتها الفنية حاضرة دائمًا في ذاكرة محبي الفن.




