
يشهد المجتمع الجزائري خلال عام 2025 حالة واسعة من النقاش بعد طرح مشروع قانون جديد يتعلق بتنظيم الزواج وتحديث الإطار القانوني الذي يحكم العلاقات الأسرية. ويأتي هذا المشروع كاستجابة مباشرة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، إضافة إلى ارتفاع معدلات الخلافات الزوجية والحاجة المتزايدة إلى منظومة أكثر وضوحًا وصرامة تنظم علاقة الزوجين منذ بداية الارتباط وحتى ما بعد الطلاق.
ويُعد مشروع القانون الجديد خطوة بارزة نحو مواكبة التطور المجتمعي والرقمي الذي تسير فيه الدولة الجزائرية، إذ يهدف إلى وضع معايير دقيقة تضمن استقرار الأسرة، وتحمي الحقوق الأساسية للزوجين، وتعزز دور المؤسسات في ضبط كافة الإجراءات المتعلقة بالزواج وفق آليات حديثة تضمن الشفافية وتحد من النزاعات.
ويضع المشروع مجموعة من البنود التي اعتُبرت محور اهتمام الشارع الجزائري، وفي مقدمتها رفع سن الزواج ليصبح 19 عامًا لكلا الطرفين، وذلك بهدف الحد من الزواج المبكر وضمان قدرة الشريكين على تحمّل المسؤوليات الأسرية والاجتماعية، بما يتناسب مع مرحلة النضج الشخصي والعاطفي لدى الطرفين. ويُنظر إلى هذا الإجراء باعتباره خطوة مهمة للحد من حالات الانفصال المبكر التي عادة ما تنتج عن عدم استعداد الأزواج نفسيًا أو اقتصاديًا.
كما يفرض القانون الجديد إجراء الفحص الطبي الإجباري قبل الزواج، وذلك للتأكد من خلو الزوجين من الأمراض المعدية أو الوراثية التي قد تُشكل خطرًا على صحتهم أو صحة الأبناء. ويُعد هذا الشرط جزءًا من رؤية أشمل تهدف إلى تعزيز الوعي الصحي وحماية الأسرة المستقبلية من أي مخاطر قد تنشأ لاحقًا.
وفي سياق التنظيم الإداري، يشدد المشروع على ضرورة توثيق جميع عقود الزواج لدى الجهات الحكومية المختصة، مع السماح باستخدام التوثيق الإلكتروني لتسهيل عملية التسجيل ومنع انتشار الزواج العرفي غير الموثق، والذي يعد أحد أبرز أسباب النزاعات الأسرية والقانونية في السنوات الأخيرة.
ويمتد المشروع ليشمل تعديلات إضافية تهدف إلى ضبط العلاقة بين الزوجين ضمن إطار قانوني محكم، من بينها تحديد المهر بشكل واضح في العقد، وإقرار ضوابط صارمة لتعدد الزوجات بحيث لا يسمح به إلا بعد الحصول على إذن رسمي وبما يضمن عدم الإضرار بالأسرة الأولى. كما يتضمن المشروع إجراءات جديدة تمنح المرأة حماية أكبر في ما يخص النفقة وحقوق السكن وحقوق الأطفال.
ويركز مشروع القانون على تحقيق عدة أهداف محورية، أبرزها الحد من الطلاق المبكر، ومكافحة الزواج غير المتكافئ، وتعزيز الاستقرار الأسري، إضافة إلى توفير مظلة قانونية شاملة تضمن توازن الحقوق والواجبات بين الزوجين، بما يدعم بناء أسرة مستقرة ومتوازنة وقادرة على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية.


