توب ستوريخارجي

حين أمسك عبدالوارث عسر بيد زكي رستم… لحظة ميلاد أسطورة على خشبة المسرح

في أواخر عشرينيات القرن الماضي، كانت بدايات الفنان الكبير زكي رستم تحمل ملامح حلم صادق تشكّل في وجدان طفل صغير لم يتجاوز بعد مقاعد المرحلة الابتدائية. يحكي رستم أن الشرارة الأولى بدأت حين اعتاد، برفقة ابن خالته الطالب بكلية الطب والهائم عشقًا بالمسرح، أن يذهب كل يوم جمعة لمشاهدة عروض الفنان الكبير جورج أبيض. كانت تلك العروض تفتح أمامه نافذة على عالم فتّان؛ عالم خشبة المسرح، الضوء، الكلمة، والتمثيل. ومع تكرار الزيارات، لم يعد المسرح مجرد فرجة عابرة، بل صار حلمًا يسكن قلبه ويشعل خياله.

 

كبر الحلم في قلب الفتى، وبدأ يشعر بأن مكانه الحقيقي ليس بين مقاعد المتفرجين، وإنما على الخشبة نفسها. وعندما أصبح في المرحلة التوجيهية، بدأ يتساءل: كيف يمكن أن يصبح واحدًا من هؤلاء الممثلين؟ راح يبحث عن الهواة والمحبين، يراقب تجمعاتهم ويتردد على الأماكن التي يتواجدون فيها. إلى أن جمعه القدر بالفنان عبدالوارث عسر، ذلك الوجه الهادئ الذي اشتهر لاحقًا بملامحه الرقيقة وأدائه المفعم بالعذوبة والصدق. تعرّف به، ثم التقى الفنان عمر وصفي، وأخيرًا وقف وجهًا لوجه أمام الفنان عبدالرحمن رشدي.

 

كان اللقاء الأول بين زكي رستم وعبدالرحمن رشدي يحمل الكثير من الحسم. نظر إليه رشدي نظرة تمحيص، ثم قال بنبرة الناصح: “روح يا شاطر ذاكر دروسك الأول.” إلا أن الفتى أجابه بثقة: “أنا مركز في مذاكرتي، ومش ناوي أسيبها علشان الفن، لكن نفسي أمثل وأستغل وقت فراغي.” كانت تلك الكلمات تعبيرًا واضحًا عن صدق الرغبة لا اندفاع الهوى.

 

أكمل زكي دراسته حتى أنهى التوجيهية، لكنه في داخله كان قد حسم الأمر. لم يعد قادرًا على الانتظار يومًا واحدًا بعيدًا عن المسرح، ولم تعد الدراسة تثير فيه أي شغف. قصد عبدالوارث عسر من جديد وقال له بإصرار: “أنا عايز أنضم معاكم في جمعية أنصار التمثيل.” أدرك عبدالوارث عسر صدق رغبته، فأخذ بيده وعرّفه على أعضاء الجمعية، لكن البعض استنكر قائلاً: “هو بيعرف إيه عن التمثيل؟” فرد عبدالوارث بحكمة: “وإحنا لما بدأنا كنا نعرف إيه؟ نحن نمنحه فرصة كما مُنحنا نحن فرصة.”

 

كانت جمعية أنصار التمثيل تستعد في ذلك الوقت لتقديم مسرحية بعنوان “العبرة”. منحوه دورًا صغيرًا لا يتجاوز خمس دقائق، لكنه بالنسبة إليه كان البداية التي انتظرها طويلًا. وقف للمرة الأولى على خشبة المسرح، وارتجف قلبه وهو يرى الأضواء والجمهور أمامه. كان يدرك أن هذه اللحظة ليست مجرد بداية، بل هي ولادة فنان سيترك لاحقًا بصمة بارزة في تاريخ المسرح والسينما العربية.

 

أما عبدالوارث عسر، ذلك الفنان الذي أصبح رمزًا للرقة والوقار في الدراما المصرية، فقد كان أول من فتح الباب أمام زكي رستم، دون أن يدري أنه يضع يده على كتف واحد من أعظم ممثلي جيله. جمعت بين الرجلين صداقة الفن، ورفقة الحلم، وروح المسرح التي لا تمنح مجدها إلا لمن أحبها بصدق وقدم لها قلبه قبل موهبته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى