

في إحدى حواراته الصحفية مع مجلة “الكواكب”، روى الفنان الكبير كمال الشناوي واحدة من أغرب الرسائل التي تلقاها في حياته، رسالة لا تشبه رسائل الإعجاب التقليدية، بل حملت في مضمونها مزيجًا من الجرأة والغرابة والواقعية المادية البحتة.
بدأت الرسالة بإطراء خفيف، ثم سرعان ما تحوّلت إلى عرض زواج صريح ومدعوم بوثائق مالية وعقارية. كانت المعجبة ـ كما وصفها الشناوي ـ صريحة إلى درجة مذهلة؛ إذ أخذت تُعدّد ما تملكه من ثروة: 180 فدانًا من أجود الأراضي الزراعية، و70 ألف جنيه مودعة في البنك، وعمارتين إحداهما في مصر الجديدة والأخرى في الزمالك، إضافة إلى سيارتين من أحدث الموديلات. وبعد أن انتهت من حصر الممتلكات، ختمت العرض بقولها إنها ترغب في الزواج منه.
لكن العجيب في الأمر ـ كما قال الشناوي ـ لم يكن الثروة، بل منطق الرسالة ونبرة الاستعلاء التي جاءت بها. فقد أوضحت المعجبة أن بإمكانها، “بمجرد إشارة”، أن تتزوج من رجل أفضل منه، لأنه في رأيها “مجرد ممثل.. لا هنا ولا هناك”، لكنها ـ للأسف ـ مضطرة للتقدم بهذا العرض، ليس حبًا فيه، وإنما لأنها راهنت إحدى صديقاتها على أنها ستجعله يوافق على الزواج، وهي لا تريد أن تخسر الرهان، حفاظًا على كرامتها.
كمال الشناوي، المعروف بخفة ظله وذكائه الاجتماعي، لم يغضب من الرسالة، بل قرر أن يرد عليها بطريقة تجمع بين الذوق والواقعية. فقال في جوابه:
“والله كنت أتمنى أحفظ لك كرامتك قدام صاحبتك، وأضمن لنفسي مستقبلًا يعتمد على ثروتك، لكن للأسف أنا متجوز.”
هذا الرد ـ كما نشرته مجلة “الكواكب” ـ حمل الكثير من الدبلوماسية والرصانة، وربما شيئًا من السخرية الراقية، حيث استطاع الشناوي أن يردّ العرض دون إساءة لصاحبته، محافظًا على صورته كفنان يحترم نفسه وجمهوره، بعيدًا عن منطق الصفقات والمكاسب المادية.
وقد أثارت هذه القصة عند نشرها ردود فعل واسعة بين القرّاء، الذين وجدوا فيها نموذجًا طريفًا لعلاقة الجمهور بالفنان، وكيف يمكن أن تتحول الإعجاب إلى رهان، والمشاعر إلى معادلات حسابية. لكنها أيضًا كشفت عن شخصية الشناوي، الذي لم تغره الثروات، ولم ينس دوره الحقيقي كفنان يعيش بالفن، لا بما تحمله الأرصدة.
وبقيت هذه الحكاية واحدة من أكثر رسائل المعجبين غرابة في ذاكرة كمال الشناوي، يرويها بابتسامة تجمع بين الدهشة والامتنان، وربما شيئًا من السخرية على رهان لم يكتمل.



