
في قلب الإسكندرية، وتحديدًا في حي الإبراهيمية، وُلدت كاترين فوتساكي، المعروفة باسم “كيتي”، في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين لعائلة مسيحية أرثوذكسية من أصول كريتية. منذ طفولتها، كانت كيتي طفلة شقية ومرحة، وهو ما ساعدها على لفت الأنظار سريعًا بموهبتها الاستثنائية، فشجعتها عائلتها على الانخراط في مدارس الباليه والفنون الاستعراضية منذ سن السادسة، لتبدأ رحلة طويلة من التدريب والفنون المسرحية.
مع مرور الوقت، لم تكتفِ كيتي بالاستعراضات، بل دخلت عالم المسرح الجاد بفضل دعم عمها الذي ألح على والدها بإلحاقها بمدرسة تعلم فنون المسرح، لتبدأ أول تجربة احترافية لها وعمرها لم يتجاوز الثامنة، حيث كانت تقدم عروضًا مع فرق مسرحية في الإسكندرية. وبحلول عام 1943، بدأت كيتي تتألق في أدوار الكوميديا والرقص، مما دفع البعض إلى نصح والدها بنقلها إلى القاهرة لتتوسع آفاق موهبتها.
وفي القاهرة، وجدت كيتي نفسها أمام بديعة مصابني، ملكة المسارح، التي اكتشفت موهبتها وقررت صقلها، مخصصة لها فقرة تقدم فيها رقصات أوروبية، لكنها رغم ذلك لم تتخل عن شغفها بالرقص الشرقي، حتى استطاعت أن تثبت نفسها على خشبة المسرح وتكسب إعجاب الجميع. هذه البداية المسرحية مهدت الطريق لها لدخول عالم السينما، حيث بدأت بأدوار صغيرة، لكنها نجحت سريعًا في لفت الأنظار بموهبتها وكاريزما ابتسامتها الساحرة، ما جعلها من أيقونات الشاشة في تلك الفترة.
لكن حياة كيتي لم تخلُ من التحديات، فأبرزها كان اللغة العربية التي لم تكن تجيدها في البداية، مما اضطرها للدراسة والتعلم لتوسيع نطاق أدوارها السينمائية والمسرحية، قبل أن يفتح التلفزيون أبوابه لتشارك في العديد من المسلسلات، مؤكدًة مكانتها بين نجمات مصر.
رغم شهرتها ونجاحها، ارتبط اسم كيتي لاحقًا بمجموعة من الشائعات والاتهامات بالتجسس، خصوصًا بعد قرار عام 1965 بإلغاء تصاريح العمل للفنانين غير المصريين، ما دفعها لمغادرة مصر والعودة إلى اليونان، لتبدأ هناك مرحلة جديدة من حياتها الفنية بعيدًا عن الضغوط والاتهامات التي لاحقتها. ومع التحقيقات التاريخية والمصادر الموثوقة، تم نفي صحة تلك الادعاءات، إذ لم تكن هناك أي علاقة فعلية بينها وبين شبكات التجسس المزعومة، وكانت تلك الشائعات مجرد جزء من الأساطير التي نسجها البعض حول اسمها.
على الرغم من كل هذه الصعوبات، ظلّت كيتي رمزًا للفن والجمال، ولقبها الجمهور بـ”صاحبة أجمل ابتسامة”، وبقيت شخصيتها الموهوبة والكاريزمية علامة بارزة في تاريخ الفن المصري. وفي عام 1980، أنهت كيتي مسيرتها الفنية بعد أن شعرّت بأن السن بدأ يظهر، تاركة إرثًا من الأعمال الفنية التي ستظل تذكرها بها، وبابتسامتها التي أضفت السحر على الشاشة والمسرح على حد سواء.
لقد كانت حياة كيتي مثالًا على مزيج من الموهبة، الشجاعة، والقدرة على مواجهة الشائعات والتحديات، لتظل واحدة من أكثر الشخصيات الفنية التي تركت بصمة واضحة في الفن المصري والعربي، وصاحبة القصة التي تجمع بين الإبداع والدراما الشخصية، والتي ستظل حكايتها تروى عبر الأجيال.



