
تمتلك السينما المصرية رصيداً ضخماً من الأعمال الفنية التي شكّلت ملامح الوعي الجمعي وعبّرت عن هموم المجتمع وأحلامه على مدى عقود طويلة. وبين آلاف الأفلام التي أُنتجت منذ بدايات القرن العشرين، يبرز عدد قليل منها باعتباره علامات فارقة في ذاكرة المشاهدين، لما جمعته من رؤية فنية متقنة، وموضوعات إنسانية عميقة، وإتقان في الأداء والإخراج. ويرى نقاد مصريون أن خمسة أفلام بعينها تُعد من أشهر ما قدّمته السينما المصرية، حيث جمعت بين الرومانسية والواقعية والتاريخية، وحقّقت انتشاراً واسعاً وجوائز مرموقة، كما أصبحت مشاهدها محفورة في وجدان الجماهير.
وما يميّز هذه الأفلام أنّها جمعت كبار النجوم من مختلف الأجيال، مثل نور الشريف، أحمد مظهر، صلاح ذو الفقار، فريد شوقي، زكي رستم، سعاد حسني، بوسي، شكري سرحان، تحية كاريوكا، هند رستم، يوسف شاهين وغيرهم من عمالقة الشاشة.
باب الحديد (1958)… صرخة واقعية سبقت زمنها
يُعد فيلم «باب الحديد» من إخراج يوسف شاهين واحداً من أهم أفلام الواقعية في السينما العربية. أنتجه جبرائيل تلحمي وشارك في بطولته يوسف شاهين نفسه إلى جانب فريد شوقي وهند رستم وحسن البارودي. وقد حظي الفيلم بمكانة عالمية، إذ شارك في مهرجان برلين السينمائي الثامن، كما اختارته مصر للتنافس على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، ليصبح أول فيلم عربي وإفريقي يترشح للتأهل لهذه الجائزة، وإن لم يصل إلى القائمة النهائية. ووضعه النقاد في المركز الرابع ضمن أفضل مئة فيلم مصري على الإطلاق.
استوحى المؤلف عبدالحي أديب فكرة الفيلم من محطة سكة حديد المحلة، ليستلهم منها أجواء محطة باب الحديد (رمسيس حالياً). وتدور القصة حول «قناوي» بائع الجرائد غير المستقر نفسياً، الذي يعيش وهماً عاطفياً تجاه «هنومة» بائعة المشروبات (هند رستم). وحين تستعد للزواج من «أبو سريع» (فريد شوقي)، يعتزم قتلها، إلا أن القدر يقوده لقتل فتاة أخرى، محاولاً إلصاق التهمة بخطيب هنومة. وفي النهاية يُكشف أمره ويُسلّم كمريض نفسي. قدم الفيلم معالجة جريئة للصراع الداخلي والعنف المكبوت، فصار علامة في تاريخ السينما الواقعية.
الفتوة (1957)… صعود السلطة وفسادها
يأتي فيلم «الفتوة» من إخراج صلاح أبو سيف وبطولة فريد شوقي، تحية كاريوكا، زكي رستم، توفيق الدقن، حسن البارودي، كواحد من أبرز أفلام الواقعية الاجتماعية. يروي الفيلم قصة «هريدي»، الشاب الصعيدي الذي يدخل عالم سوق الخضار باحثاً عن لقمة العيش، فيُهان ويُستغل من التجار الكبار. وبمساعدة «المعلمة حسنية» (تحية كاريوكا)، ينضم إلى المعلم «أبو زيد» (زكي رستم) ويكتشف فساد السوق، من رشاوى ومزادات وتلاعب بالنفوذ.
يصعد هريدي اجتماعياً ويتزوج حسنية، ويتحول تدريجياً إلى نسخة أخرى من الطغيان، متبعاً نفس أساليب معلمه القديم. وبعد خروج أبو زيد من السجن تبدأ المواجهة الكبرى بينهما، وتنتهي بمقتله والقبض على هريدي. يختتم الفيلم بمشهد رمزي للسوق وهو يستقبل وافداً جديداً، ليؤكد أن دوامة الفساد لا تتوقف. وقدّم الفيلم قراءة اجتماعية عميقة لرأس المال والانتهازية وصراع السلطة.
الزوجة الثانية (1967)… صرخة ضد الظلم الاجتماعي
يُعد فيلم «الزوجة الثانية» من أهم أعمال المخرج صلاح أبو سيف، وبطولة سعاد حسني، شكري سرحان، صلاح منصور، سناء جميل، وحسن البارودي. يعالج الفيلم قضية السلطة الذكورية المطلقة في الريف المصري، من خلال قصة عمدة يرغب في إنجاب وريث يحفظ اسمه. ولتحقيق ذلك، يطمع في خادمته «فاطمة» (سعاد حسني)، ويجبر زوجها «أبو العلا» (شكري سرحان) على تطليقها تحت تهديد تلفيق التهم.
تلجأ فاطمة إلى الحيلة لتبعد العمدة عنها وتحافظ على علاقتها بزوجها، حتى تصاب بحمل يتسبب في صدمة للعمدة فيُصاب بالشلل ويموت. ومع نهايته، تستعيد الحقوق لأصحابها وتعود لزوجها، في انتصار رمزي للعدالة الشعبية. وقد نال الفيلم شهرة واسعة واعتُبر من أفضل أفلام الستينيات.
الناصر صلاح الدين (1963)… ملحمة تاريخية خالدة
يأتي فيلم «الناصر صلاح الدين» من أكثر الأعمال التاريخية تأثيراً في السينما المصرية والعربية. كتب قصته يوسف السباعي، وأخرجه يوسف شاهين، وشارك في بطولته أحمد مظهر، صلاح ذو الفقار، نادية لطفي، ليلى فوزي، عمر الحريري. يصوّر الفيلم فترة من حياة القائد صلاح الدين الأيوبي إبّان الحروب الصليبية، مسلطاً الضوء على معركة الدفاع عن القدس باعتبارها أرضاً مقدسة لا يمكن التنازل عنها.
تميّز الفيلم بديكوراته الضخمة ومشاهده الحربية الواسعة، وكان نقلة نوعية في تقنيات السينما المصرية. وقد رُشح عام 1963 لمهرجان موسكو السينمائي الدولي، ليحظى باهتمام عالمي ويصبح أيقونة في الأفلام التاريخية.
حبيبي دائماً (1981)… أيقونة الرومانسية
يظل فيلم «حبيبي دائماً» أحد أهم الأفلام الرومانسية التي عرفتها السينما المصرية. أخرجه حسين كمال، وقام ببطولته نور الشريف، بوسي، سعيد عبد الغني، سوسن بدر. استوحى الناقد السينمائي رفيق الصبان الحكاية من قصة حقيقية عاشها المطرب عبد الحليم حافظ.
تحكي القصة علاقة حب بين «إبراهيم» طالب الطب و«فريدة» الفتاة الرقيقة، إلا أن الضغوط العائلية تُجبرها على الزواج من رجل أعمال ثري والسفر إلى باريس. تمر فريدة بسنوات من الشقاء وتنتهي علاقتها بزوجها، بينما ينجح إبراهيم في حياته المهنية. تصاب فريدة بمرض خطير، ويخفي عنها إبراهيم الحقيقة ويتزوجها، ثم يسافران إلى لندن للعلاج. ومع اشتداد المرض، تعود فريدة إلى مصر لتموت بين ذراعي إبراهيم في أحد أعذب المشاهد السينمائية. نال الفيلم عدة جوائز وظل رمزاً للرومانسية الخالصة.




