
في حوار نادر مع مجلة الموعد، فتحت الفنانة كوكب صادق – والدة الفنانة إسعاد يونس – صفحات من ذاكرتها الفنية والإنسانية، كاشفة عن كواليس مشوار طويل بدأته طفلة في الثامنة من عمرها، وانتهى بقرار اعتزال طوعي اتخذته بعد ثلاثين عامًا من العطاء.
بدأت كوكب حديثها بابتسامة حين سألها المحرر عن اسمها الحقيقي، فأجابت: “اسمي كوكب صادق، وهو اسمي الحقيقي والفني معًا، والكل يناديني كوكي، حتى بناتي بعد أن أصبحن أطول مني!”، ضاحكةً بخفة ظل تشير إلى روحها المرحة التي لم تغب رغم اعتزالها الفن منذ سنوات طويلة.
ثم تطرقت إلى قرار الاعتزال، الذي جاء – كما تقول – بعد تفكير طويل ورغبة صادقة في التفرغ للأسرة، مضيفة:
“قضيت في الفن ثلاثين عامًا، ثم شعرت أن الوقت قد حان لأمنح نفسي وأسرتي بعض الهدوء. أردت أن أعيش حياة طبيعية كزوجة وأم، أتابع تفاصيل بناتي الصغيرة، وأربيهن كما يجب.”
لكن القدر – كما تروي كوكب – لم يبعدها تمامًا عن الفن، إذ عوضها الله بثلاث بنات وجدن طريقهن إلى الأضواء عن حب وموهبة، وفي مقدمتهن الفنانة إسعاد يونس، التي أصبحت لاحقًا واحدة من أهم رموز السينما والإنتاج والإعلام في مصر. تقول كوكب:
“بناتي دخلن الفن بالموهبة، لا بالمحسوبية. درسْن وتعبْن، وكان شغفهن حقيقيًا، وكنت فخورة بهن لأنهن أكملن المشوار الذي بدأتُه.”
وعن بداياتها الفنية، تعود كوكب بالذاكرة إلى زمن الفن الجميل، قائلة:
“بدأت وأنا في الثامنة من عمري، لأنني أنتمي لعائلة فنية. أختي هي المطربة بديعة صادق، ووالدي كان مدير فرقة الفنانين الكبيرين فوزي منيب وعلي الكسار، لذا كانت أجواء المسرح والموسيقى جزءًا من طفولتي.”
شاركت كوكب في العديد من العروض المسرحية والأعمال السينمائية، وكانت تمتاز بخفة ظلها وقدرتها على تجسيد أدوار متنوعة تجمع بين الكوميديا والدراما. كما اشتهرت بعلاقاتها الودية مع كبار نجوم جيلها، مثل عبد الفتاح القصري وماري منيب وتحية كاريوكا، وكانت شاهدة على العصر الذهبي للفن المصري الذي ازدهر في الأربعينيات والخمسينيات.
تتحدث كوكب بحنين عن تلك الأيام:
“الفن زمان كان له طعم مختلف.. كنا نعمل بحب وبلا حسابات. اليوم تغيّر كل شيء، لكني لا أندم على شيء. الاعتزال كان قراري، لكنه لم يبعدني عن الفن تمامًا، لأن الفن يعيش في القلب، لا في الكاميرا.”
ورغم بعدها عن الأضواء، ظلت كوكب صادق حاضرة في ذاكرة الوسط الفني بوصفها أمًّا لثلاث فنانات، وامرأة حملت الفن في جيناتها وروحها. فهي تمثل جيلًا من الفنانات اللاتي لم يكنّ يسعين وراء الشهرة فقط، بل كنّ يؤمنّ بأن الفن رسالة إنسانية تتجاوز حدود الظهور إلى جوهر الحياة نفسها.
وبين الأم التي اختارت دفء البيت، والفنانة التي ظلت تراقب أبناءها في مسارح الحياة، تبقى كوكب صادق واحدة من تلك الوجوه النادرة التي اختارت أن تبتعد في أوج حضورها، تاركةً وراءها بصمة من الرقي والصدق، وورثة فنية من بناتها يواصلن المسيرة بحب ووفاء وذاكرة من نور.




