“ناموا 3 قرون”.. تعرف على قصة أصحاب الكهف والمدينة التى عاشوا فيها
قص علينا القرآن الكريم العديد من القصص فى كل زمان ومكان، والتى نتدارسها حتى الآن فى القرآن الكريم ونتخذ منها العبر والحكم، حيث تحكى لنا هذه القصص تاريخ البشرية منذ خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، وهو ما لن تجده في أمهات الكتب الأخرى .
وعلى مدار شهر رمضان نتحدث يوميا عن قصة من أحسن القصص التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى، واليوم نتحدث عن قصة أصحاب الكهف.
قصة اصحاب الكهف..
أهل الكهف هم مجموعة من الفتيان لجأوا إلى كهفٍ خوفًا على أنفسهم من الفتنة في دينهم حين رأوا ما عليه قومهم من عبادة الأصنام والأوثان في يوم عيدٍ لهم، ففتح الله على بصيرة الفتيان، وأيقنوا في قرارة أنفسهم أنّ ما عليه قومهم باطلٌ، فتركوا ما عليه قومهم إلى توحيد الله عزّ وجلّ، ولجأوا إلى دعاء الله -تعالى- قائلين: (رَبَّنا آتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا).
المدينة التى عاش فيها أصحاب الكهف..
في مدينة للروم اسمها أفسوس، وفي زمن ملك يُقال له دقيوس عاش أصحاب الكهف، وكان هذا الملك يعبد الأصنام، وفرض تلك العبادة على قومه، ومنهم أصحاب الكهف، أولئك الفتية الذين يُقال أنّهم كانوا يعبدون الأوثان، فهداهم الله، فآمنوا به، وكانت شريعتهم في ذلك الوقت شريعة عيسى عليه السلام.
وفي أحد الأيام جاء حواري من أنصار عيسى عليه السلام إلى المدينة التي كانوا يسكنون فيها، وعندما هم بدخولها، قيل له: “إنّ على بابها صنماً، لا يدخلها أحد حتى يسجد له”، فرفض دخول المدينة، وذهب إلى حمّام قريب منها، فعمل فيه، فجلب البركة للعمل، وتعرف إلى أصحاب الكهف، فجعل يُحدثهم عن السماء والأرض وعن اليوم الآخر، حتى صدقوه وآمنوا بما يقول، ودخلوا في شريعة عيسى عليه السلام.
عندما دعا ملك المدينة الوثني الظالم قومه لعبادة الأوثان رفض الفتية الانصياع له، وهربوا منه ثباتاً وحفاظاً منهم على دينهم، وخرجوا من المدينة، وفي طريقهم مرّوا براعٍ يتبعهم على دينهم وكان معه كلب، ثم استقروا في كهف ودخلوا إليه يتعبدون الله فيه، قال تعالى: (إِذ أَوَى الفِتيَةُ إِلَى الكَهفِ فَقالوا رَبَّنا آتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا).
وكان رجل منهم يذهب للمدينة يبتاع لهم أرزاقهم، حتى جاءهم في يوم من الأيام، وقال لهم بأنّ الملك يبحث عنهم، ويسأل عن أخبارهم وأثرهم، فاستعاذوا بالله من الشيطان الرجيم، فضرب الله على آذانهم فناموا، قال تعالى: (فَضَرَبنا عَلى آذانِهِم فِي الكَهفِ سِنينَ عَدَدًا).
استمر بحث الملك وأتباعه عن الفتية، حتى وصلوا إلى مكان الكهف الذي لجؤوا إليه، وكلما حاول رجل منهم أن يدخل عليهم الكهف دبّ الرعب فيه، قال تعالى: “لو اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا” فلم يتحمل أن يدخل عليهم أحد، فجاء الأمر من الملك بإغلاق باب الكهف عليهم حتى يفنَوا وهم فيه، وهو في ذلك يظنّ أنّهم مستيقظون، إلا أنّ الحقيقة أنّ الله توفّى أرواحهم وفاة النوم.
كان الكهف مظلماً، وشديد البرودة، وفي مكان مهجور لا أمن فيه ولا أمان ولا متاع، وليس له باب وتحوطه المخاوف من كل جانب، فيتحوّل برحمة من الله وفضل إلى مأوى لهؤلاء الفتية، ويغير الله نواميسه في الكون إكراماً لهم، وإحساناً من الله لأنهم أحسنوا، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فبسبب تضحيتهم المدهشة، حيث تركوا أموالهم وما يملكون، وبسبب ثباتهم الراسخ على دينهم أكرمهم الله بعدة كرامات ذكرتها سورة الكهف، وهي كالآتي:
كرامات أصحاب الكهف..
قال الله سبحانه تعالى: (وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كَهفِهِم ذاتَ اليَمينِ وَإِذا غَرَبَت تَقرِضُهُم ذاتَ الشِّمالِ وَهُم في فَجوَةٍ مِنهُ)، فالآية تتحدث عن ميلان الشمس عنهم عند شروقها واشتداد حرها، وميلانها عنهم كذلك عند غروبها، فلا تؤذيهم في أول النهار ولا في آخره بحرّها، ولا تغير صورهم. قال تعالى: (وَتَحسَبُهُم أَيقاظًا وَهُم رُقودٌ)، فعندما ضرب الله على آذانهم وناموا لم تنطبق أعينهم، بل بقيت مفتوحة، وقيل: ( يطبقون عيناً ويفتحون عيناً)، وذلك حفاظاً عليها من البِلى، لأنّ بقاءها معرّضة للهواء أدعى لحفظها وأبقى لها.
وقال سبحانه وتعالى: (وَنُقَلِّبُهُم ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ)، فالآية تتحدث عن تقليبهم بحركة مستمرة تارة لليمين وتارة للشمال، وذلك ليُبعد الله عنهم تعب وعناء النوم الطويل، ولئلا تأكلهم الأرض.
وقال الله تعالى: (وكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ)، فقد أصاب الكلب ما أصاب الفتية من النوم، وجلس على باب الكهف وبقي خارجه، وذلك لأنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، فكان من رحمة الله بقاؤه في الخارج.
وقال تبارك وتعالى: (لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا)، فقد ألقى الله سبحانه وتعالى على أولئك الفتية المهابة، فلا ينظر إليهم أحد إلا وهاب منهم، فبذلك حفظهم الله من أن يقترب منهم أحد، فلا تطالهم يد بسوء أو أذى.
بعث أصحاب الكهف..
بعد مرور 3 قرون بعث الله تعالى أصحاب الكهف، واستيقظوا من رقادهم، ولم يُدركوا حينها كم من الوقت قد مضى وهم في كهفهم نائمون، فتساءلوا عن ذلك، قال الله تعالى: “قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا”، ثم بدأوا التفكير في تدبير أمرهم، فأخرجوا نقودهم، وطلبوا من أحدهم أن يذهب للمدينة دون أن يراه أحد، ليشتري لهم زاداً وطعاماً، فخرج الرجل إلى القرية، وتفاجأ بتغيّرها، وأنّها لم تعد كما كانت، وسار فيها مندهشاً، فعرف أهل القرية بحاله بسبب دهشته وثيابه والنقود القديمة التي كان يحملها معه، وميّزوا أنّه غريب عنهم.
وفي أثناء تلك السنوات التي مضت كان أهل المدينة التي غادرها الفتية قد آمنوا، ومات الملك الظالم الذي كان يحكمهم، وحلّ مكانه رجل صالح، وسُرّ الناس بأولئك الفتية الذين كانوا أول من آمن من القرية، وثبتوا على ذلك، وأخذوا منهم العبرة، وصدّقوا بقدرة الله على إحياء الموتى بعدما رأوهم، وأنّ الساعة لا ريب فيها، ثم توفى الله تعالى الفتية، فاختلف الناس في أمرهم، حتى دعا بعضهم إلى إقامة بناء على كهفهم، تخليداً لذكراهم.
قال الله تعالى في عدد أصحاب أهل الكهف: (سَيَقولونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُم كَلبُهُم وَيَقولونَ خَمسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجمًا بِالغَيبِ وَيَقولونَ سَبعَةٌ وَثامِنُهُم كَلبُهُم قُل رَبّي أَعلَمُ بِعِدَّتِهِم ما يَعلَمُهُم إِلّا قَليلٌ).
وذكر ابن كثير في سبب إخفاء العدد قوله: “إنّ هذا الإخفاء هو لإرشاد الناس إلى أنّ الأحسن في مثل هذا المقام هو ردّ العلم إلى الله تعالى، إذ لا احتياج للخوض في مثل ذلك بلا علم، لكن إذا أُطلعنا على الأمر قلنا به، وإلا وقفنا”.