التعليمتوب ستوري

حائر بين الشك واليقين.. (١)

استيقظ في السابعة ونصف صباحًا، غسل وجهه مسرعًا وتوضئ، ثم صلى ركعتين على الفور، ولبس بنطاله الجنز ذات الجيوب الكثيرة، و”تي شيرت” أسود ممزوج بنقاط بيضاء، وحذائه الغامق التي لا يمتلك غيرها، ثم سرح لحيته الخفيفة، ولم يضع برفان كعادته، ونزل مهرولًا إلى الشارع، ركب السيارة القادمة من الجيزة، متجه إلى التحرير، عيناه الخضراء يحيطها سوادًا، بسبب البكاء الطويل الذي تملكه أخر  الليل، وحزنه على الأوضاع التي يمر بها والده في بلدته الصغيرة بريف مصر، رغم ذلك لم ينشغل بهما كثيرًا ونزل إلى عمله.

كل تفكيره أن يرسم الابتسامة على وجهه، ولكن الحزن كان أقوى فظل صامتًا طوال اليوم، صديقته المقربة  تحاول أن تضحكه كعادتها، ولكن لا فائدة مازال عقله منشغل بوالديه يفكر فيهما، اليوم غريب والوقت بطيء لا يمران سريعًا، وكل حين وآخر يرتفع صوت الأذان، فيحاول تضييع وقته في الصلاة، مع أن الشيطان سيطر على عقله ولا يريده أن يفعل ذلك، وبعد مرور سبع ساعات، دقت الخامسة قام مهرولاً، أغلق جهازه الإلكتروني ومواقع التواصل التي كان يتداولها، وجمع أشيائه في حقيبته ونصرف، حتى لم يسلم  على زملائه مثل عادته، الجميع يستغربون من أفعاله ولكنهم لم يسألوه عن السبب، لانه لا يسمح لأحد أن يتدخل في خصوصياته.

ركب الاسانسير ثم نظر في المرآة المعلقة بداخله، عيناه مر غارقتان بالدموع يريد البكاء ولكن لايبكي، حتى لا يراه أحد فيشعر  أنه ضعيف، مر بالشارع مسرعًا، وركب السيارة العائدة إلى المكان الذي جاء منه، وبعد دقائق وصل إلى مايريد، وعلى الفور توجه صوب شقته الصغيرة في المنطقة الشعبية بفيصل، في الدور الخامس أمام المسجد الشقة اليمنى، صعد السلم مسرعا  ولكنه لا يستطيع أن يصل أخره، فقد أصبح أطول مما تعود عليه، وقف قليلًا ليستريح، عيناه تساقطت دموعًا على حاله المرير، تملكه الغيظ فقشر على انيابه من الغل، وصعد بكل قوته مرة ثانية حتى وصل إلى باب شقته.

يتنفس بصوت مسموع، صدره ينتفخ بشكل سريع، ولم يتوهن بل وضع يده اليمنى في جيبه وأخرج المفاتيح، فوقعت على الأرض، فزداد غيظًا، نظر بحرقة نحوها ثم حنا  ظهره مسرعًا  ليأخذها، فشعر ” بدوغة” غريبة لأول مرة في رأسه، وعيناه عميت قليلًا  لا يرى المفاتيح، بعد دقيقة قضاها منحني على ركبتيه، رجع إلى طبيعته فتساقطت الدموع تلقائيًا مرة ثانية، ونادا بصوتٍ مسموع اااااااااه، مسك بكل قوته مفتاحه الحديدي ووضعه في كالون الباب، وبدأ يفتح بشكل سريع، دخل منزله بوجهٍ غاضب، بعدما دفع الباب بقوة حتى كاد أن يتحرك من مكانه، توجه إلى غرفته الخاوية على عروشها، التي لم يوجد فيها غير مرتبة صغيرة ملقاه على الأرض، ووسادة ملطخة بالتراب، القى جسده  عليها متمددًا، ونظر إلى السماء بكل غضب ونتفخت عروقه جميعها، ونادا مرة ثانية ااااااااااه، “ماهذه الأحوال التي أمر بها، ولما تلك الظروف لا تفارقني، يارب انا تعبت خفف عني، يا تأخدني من الدنيا وارتاح”.

بعد دقائق ظل جالسًا مع نفسه، يبكي ويتنهنه حتى جفت عيناها من الدموع، بدأ يستعيد قوته مرة ثانية، هدأ قليلًا ونهض واقفًا رتب غرفته وأسرع إلى المطبخ، أخرج طعامًا من ثلاجته التي لا يوجد فيها غير ثلاث طماطمات ورغيف من الخبز وقطعة صغيرة من الجبن،  وضعهما على التربيزة المتراكم عليها التراب في الصالون، وجلس على الأرض فوق سجادة الصلاة التي يتعبد عليها، أكل بلهفه لشدة جوعه، ثم انتهى سريعا، ومال رأسه إلى الوراء حتى ارتاحت  على الحائط، نظر بعيناه الى السقف  القديم المتساقط منه ألوان النقاشة، ولا يمتلك اعصابه، دمعت عيناه فجأة مرة ثانية دون أسباب، وجسده مغمور بالعرق لا يعلم ما الذي لحق به، نادا بصوت مرتفع في اااااااايه اله، نهض واقفًا على قدميه، وتجرد من ملابسه لم يبقى عليه غير الشورت القصير، وبعد ثوانٍ تجرد منه أيضًا، بدأ ينظر إلى جسده الذي ظهر  عليه علامات الضعف، ثم أمسك عضوه النابت حوله الشعر الكثيف، تشتت أفكاره فغمض عيناه، وظل يدلك في عضوه الصلب البارز أمامه، لا ينكح يداه من أجل شهوة جنسية، أو لأنه تذكر فتاة عشرينية في وضع غير لائق كان يعرفها قديمًا، بل ينكحها ليخرج الطاقة الغريبة التي تمكنت من جسده، ويريح جسمه  من العرق المتساقط أعلى ذراعيه، بعد دقائق انتفض المني من ذكره حتي اصبح فارغًا كما كان، هدأ قليلًا وتراخت أعصابه ونام على المرتبة مرة ثانية.

 

تمدد على المرتبة ولكن هذه المرة لايبكي بل رسمت ابتسامة بسيطة على وجهه، وبدأت عيناه تتمحلق في الغرفة الضيقة، وخاصة نحو

 ملابسه المعلقة على الحائط خلف الباب، ظل على وضعه مدة ليست طويلة، ثم اختار من بين ملابسه المعلق طاقم داخلي أبيض اللون، وتوجة مسرعًا إلى الحمام، دفع الباب بقوة، فوقع لوح الزجاج الموجود بالباب فأحدث دجيجًا قويًا، ولكنه لا يبالي استمر في عمله، علق ملابسه الخفيفة على المسامير، وفتح حنفية الدش بهدوء وجلس تحت المياة جامعًا يداه إلى قدميه، وصدره مغموص بين ركبتيه، وشعره الطويل الأسود تساقط على عيناه الخضراء، بقى مدة طويلة على حالته، حتى أن المياه  جعلته ينتفض من شدة برودها، وتلاعب البرد في عظامه، وأصابته رعشة في جسدته ولكن لا يبالي أصبح إنسان غريب.

ظل  هكذا حتى ارتاحت أعصابه، جالسًا على كرسي خشب في حمام، والمياه تندلع فوقه قرابة ساعتين، وشقة خالية لا يوجد فيها غيره، نشف جسده سريعًا، وشعره الأسود مازال مبللاً، لم يهتم به كعادته، خرج إلى الصالون الكبير ونظر من مشرفت بيته في الطابق الخامس  فرأى مأذنة شامخة في السماء مرفوعًا عليها هلال أخضر وكلمة الله، فوقف مندهشًا وعيناه ناظرتان صوبها، ظل على حالته خمس دقائق، جسده يرتجف خوفًا، وتعالت دقات قلبه، وفجأة سقطت الفوطة من يده، فبقوة قطع السلسلة الفضية المعلقة في عنقه،  وبدأ يرجع إلى الخلف بظهره حتى وصل إلى الحمام الذي كان يتطهر فيه قبل قليل، بدأ يغسل يداه ثلاثًا، ووجهه ثلاثًا، بنية الوضوء، وبعد انتهائه أسرع إلى غرفته، التي كان يمارس فيها الفواحش منذ دقائق، بعثر جميع ملابسه على الأرض، وأخذ من بينهم الجلباب البيضاء فاقعة اللون، ومسبحته الطويلة ذات التسعين خرزة، وأمسك بالمصحف السعودي وأخذ يتلو قول الله تعالى، “وستغفروا الله إن الله غفور الرحيم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى