كان مسلما وملك الأرض من مشرقها لمغربها.. تعرف على قصة ذو القرنين
انقذ البشرية من يأجوج ومأجوج والعلماء اختلفوا عليه.. من هو ذو القرنين
قص علينا القرآن الكريم العديد من القصص فى كل زمان ومكان و التى نتدارسها حتى الآن فى القرآن الكريم ونتخذ منها العبر والحكم.
وتحكى لنا هذه القصص تاريخ البشرية منذ خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، وهو ما لن تجده في أمهات الكتب الأخرى، وهذه القصص أنار الله سبحانه وتعالى بها الطريق لجميع الأمم لتخرج من ظلمات الكفر والإلحاد إلى أنوار الإيمان والتوحيد، فقال رب العالمين على لسان الجن: “قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم”.
وعلى مدار شهر رمضان نتحدث يوميا عن قصة من أحسن القصص التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى، واليوم نتحدث عن قصة ذو القرنين وعلاقتها بيأجوج ومأجوج.
ذو القرنين كان ملكا من ملوك الأرض وعبدا صالحا مسلما، طاف الأرض يدعو إلى الإسلام ويقاتل عليه من خالفه، فنشر الإسلام وقمع الكفر وأهله وأعان المظلوم وأقام العدل.
صح عن مجاهد أنه قال: “ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين، والكافران: بختنصر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم ” رواه الطبري في “التفسير” (5/433) .
أعطاه الله الحكم والقوّة فجال بجيشه في الأرض يدعو الى الله تعالى حتى وصل الى غرباً ووصل الى عين حمئة كبيرة ، وقد كانوا يقولون أنّ الشمس تغرب في هذه المنطقة وكانوا يعتقدون أنّها نهاية العالم وأنّ الشمس تغطس في المحيط وهو المحيط الأطلسي حتّى وصل على قوم موجود هناك ، وقد رأى الشمس تغرب في منطقة في بحر إيجا المحصورة بين سواحل تركيا الغربية شرقاً واليونان غرباً ، وكان فيها قوم وقد ألهمهُ الله بأنّهُ مالك أمر القوم الذين يسكنون فيها ، والذين كانوا يعبدون الشمس من دون الله ، وقد ألهمهُ الله أيضاً ملكهم إمّا أن يعذّبهم أو يعفوا عنهم ، وقد حكم هذ الحاكم العادل بأنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا وسوف يحاسبهم الله تعالى يوم القيامة ، ومن آمن منهم سيكرمهُ ويعفوا عنهم .
وبعد انتهاء ذو القرنين من أمر الغرب توجّه الى أقصى الشرق من مكان ما تشرق فيه الشمس ، وهذه الأرض كانت مكشوفة لا أشجار فيها ولا مرتفعات تحجب الشمس عن أهلها وحكم بأهلها كحكمهِ على أهل الغرب.
وبعد ما انتهى ذو القرنين من أهل الشرق أكمل طريقهُ حتى وصل الى قوم يعيشون بين جبلين أو سدين وبينهما فجوة، وكانوا يتكلمون بلغة غريبة غير مفهومة وعندما وصل اليهم وجدوه حاكم أتاه الله من قوّة فطلبوا منه المساعدة ليجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدّا مقابل من المال فوافق الملك أن يجعل بينهم سدّا ولكنّه لم يرضى أن يأخذ مال وزهد عنهُ، وقد أتاه الله من الحكمة فقد استخدم ذو القرنين هندسة رائعة في بناء السد، فقد قام بجمع الحديد ووضعها في الفتحة حتى تساوت مع قمة الجبلين وأوقد النار عليها ومن ثم سكب عليه النحاس المذاب حتى يصبح أكثر صلابة وقوّة فسدّ الفجوة ومنع الطريق عن قوم يأجوج ومأجوج.
وقال ابن كثير رحمه الله : “ذكر الله تعالى ذا القرنين هذا وأثنى عليه بالعدل ، وأنه بلغ المشارق والمغارب ، وملك الأقاليم وقهر أهلها ، وسار فيهم بالمعدلة التامة والسلطان المؤيد المظفر المنصور القاهر المقسط . والصحيح : أنه كان ملكا من الملوك العادلين ” انتهى من “البداية والنهاية” (2 /122)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : “وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقِيلَ كَانَ نَبِيًّا ، وَقِيلَ : كَانَ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَة ، وقيل لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلَكًا , وَقِيلَ : كَانَ مِنْ الْمُلُوك . وَعَلَيْهِ الْأَكْثَر”.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : “هو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ويقال إنه طاف معه بالبيت ، فالله أعلم ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” – لابن عثيمين (60 /4) .
أما ما يتوارد على ألسنة بعض من لا علم له بحقائق الأمور أنه الإسكندر المقدوني باني الإسكندرية ، الذي غزا الصين والهند وبلاد الترك ، وقهر ملك الفرس واستولى على مملكته : فهو قول باطل مردود ، وقد بين ذلك المحققون من أهل العلم :
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : “الْإِسْكَنْدَر الْيُونَانِيّ كَانَ قَرِيبًا مِنْ زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَبَيْن زَمَن إِبْرَاهِيم وَعِيسَى أَكْثَر مِنْ أَلْفَيْ سَنَة , وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْإِسْكَنْدَر الْمُتَأَخِّر لُقِّبَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ تَشْبِيهًا بِالْمُتَقَدِّمِ لِسَعَةِ مُلْكه وَغَلَبَته عَلَى الْبِلَاد الْكَثِيرَة , أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الْفُرْس وَقَتَلَ مَلِكهمْ اِنْتَظَمَ لَهُ مُلْك الْمَمْلَكَتَيْنِ الْوَاسِعَتَيْنِ الرُّوم وَالْفُرْس فَلُقِّبَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِذَلِكَ.
والْحَقّ أَنَّ الَّذِي قَصَّ اللَّه نَبَأَهُ فِي الْقُرْآن هُوَ الْمُتَقَدِّم وَالْفَرْق بَيْنهمَا مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدهَا : مَا ذَكَرْته , الثَانِي : أنّ الْإِسْكَنْدَر َكَانَ كَافِرًا , وَكَانَ مُعَلِّمُهُ أَرَسْطَاطَالِيس ، وَكَانَ يَأْتَمِر بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْكُفَّار بِلَا شَكّ، الثَالِث : كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ الْعَرَب وَأَمَّا الْإِسْكَنْدَر فَهُوَ مِنْ الْيُونَان”.
وقال ابن كثير رحمه الله : “ذكر الأزرقي وغيره أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل عليه السلام .
أما المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم ، فكان متأخرا عن الأول بدهر طويل، كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرسطا طاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “كان أرسطو قبل المسيح بن مريم عليه السلام بنحو ثلاثمائة سنة، كان وزيرا للإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي غلب على الفرس وهو الذي يؤرخ له اليوم بالتاريخ الرومي تؤرخ له اليهود والنصارى ، وليس هذا الإسكندر هو ذا القرنين المذكور في القرآن كما يظن ذلك طائفة من الناس ، فإن ذلك كان متقدما على هذا وذلك المتقدم هو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج ، وهذا المقدوني لم يصل إلى السد، وذاك كان مسلما موحدا وهذا المقدوني كان مشركا هو وأهل بلده اليونان كانوا مشركين يعبدون الكواكب والأوثان” “منهاج السنة النبوية” (1 /220).
ومما سبق يتبين أن ذا القرنين المذكور في القرآن كان مسلما موحدا ، وكان من العرب ، فمن زعم أنه كان جدا للفرس، أو كان نبيا من أنبيائهم على ملتهم ودينهم وطريقتهم: فقد ادعى باطلا كما بينه المحققون من أهل العلم والتاريخ.