
كانت حياة الفنانة الاستثنائية نعيمة عاكف مليئة بالضوء والبهجة والموهبة الفطرية، لكنها كانت أيضًا سلسلة من الألم الخفي والقرارات الصعبة التي دفعت بها إلى نهايتها المبكرة. بدأت حكايتها الأهم مع المخرج الكبير حسين فوزي، مكتشفها وصانع نجوميتها، والذي صار لاحقًا زوجها وشريك مشوارها الفني.
تزوّج الاثنان عام 1953 في قصة حب فنية بامتياز؛ هو قدّمها إلى السينما ووقف وراء تألقها، وهي كانت مصدر إلهامه وأقرب تلميذاته إلى قلبه. غير أن زواجهما، رغم بريقه، حمل خلافًا جوهريًا ظلّ يشتعل في الخفاء: نعيمة كانت تتوق إلى الأمومة، بينما كان حسين يرفض الفكرة تمامًا.
كانت حجته—كما تناقل البعض—أن لديه أبناء من زوجته الأولى، وأن طفلًا جديدًا سيعطّل مسيرة نعيمة الفنية، تلك المسيرة التي كان يعتبر نفسه مهندسها الأول وحارس بوابتها.
أصرّت نعيمة على حلمها، ورفض حسين التراجع. وهكذا وصلت العلاقة إلى مفترق الطرق. جرى الطلاق أمام الصحافة، في مشهد لم تعهده الأوساط الفنية يومها؛ دموع متبادلة، وانكسار واضح، ووجعٌ لم يُخفهما أيٌّ منهما. كان الانفصال نهاية شراكة فنية لامعة، وبداية طريق منفصل لكلٍّ منهما… طريق ملئه الخسائر.
بعد الطلاق، تزوّجت نعيمة من المحاسب صلاح الدين عبدالفتاح، بينما تزوّج حسين فوزي من الفنانة ليلى طاهر. لكن الخروج من حياة أحدهما لم يكن سهلاً على الآخر؛ فنعيمة لم تحقق نفس النجاح بدونه، وهو أيضًا لم يعُد ذلك المخرج الذي يهز شباك التذاكر كما كان. بدا وكأن وهج كل منهما كان مرتبطًا بالآخر بطريقة ما.
في عام 1962، رحل حسين فوزي بعد أن أنهكه المرض. وفي العام نفسه رزقت نعيمة بطفلها الوحيد، وحققت حلمها الذي طال انتظاره. اختارت له اسم محمد، وقالت إنه تبرّكًا باسم أشرف الخلق. بدا وكأن القدر أعطاها أخيرًا ما رغبت فيه، لكنها لم تكن تعلم أن الهدية تحمل معها امتحانًا قاسيًا.
لم تكد نعيمة تنهي فرحتها بالأمومة حتى فوجئت بالتشخيص الذي غيّر كل شيء:
مرض السرطان.
بدأت رحلة علاج طويلة، حاولت خلالها أن تخفي ألمها عن الجميع، وأن تحافظ على ابتسامتها التي اشتهرت بها. كانت تُصرّ على العمل رغم الضعف، وتتمسك بالروح المرحة التي أحبها الجمهور.
لكن المرض كان أقوى. تدهورت حالتها تدريجيًا، وبدأت الأنباء تتسرّب عن معركتها الصعبة. وفي 23 أبريل 1966، كانت نعيمة عاكف تعيش لحظاتها الأخيرة، محاطة بمن تحب. ومع كل نفس كان يضيق، لم تكن تفكر إلا في ابنها الصغير الذي لم يتجاوز الأربع سنوات.
وحين اقتربت من النهاية، نطقت آخر كلماتها، كلمات تختصر رحلة أمومة قصيرة لكنها مشتعلة بالحب:
“محمد… محمد… محمد… يا رب…”
ثم انطفأ الصوت الذي طالما أبهج الجماهير، ورحلت نعيمة وهي في عمر 37 عامًا فقط.
هكذا خرجت نعيمة عاكف من الدنيا: فنانة صنعت البهجة، وامرأة دفعت أثمانًا مؤلمة، وأمٌّ كان آخر ما يهمّها في اللحظة الفاصلة هو طفلها الوحيد.
رحلت خفيفة مثل رقصة، سريعة مثل ضحكتها، عميقة الأثر مثل كل الذين غادروا قبل أوانهم.




