


في عام 1955، أثارت الصحف المصرية ضجة واسعة بخبر غريب وعالمي في آن واحد: إحدى شركات السينما في هوليوود أعلنت عن حاجتها إلى سيدة دميمة لتؤدي دورًا هامًا في أحد أفلامها. الإعلان كان واضحًا وصريحًا، لكنه غريب في التفاصيل؛ إذ فضّلت الشركة أن تنتظر تقدّم امرأة تعترف بنفسها بأنها “دميمة” لتلعب الدور، على الرغم من كل الإغراءات المالية والمعنوية التي عرضتها. مرور الأيام لم يسفر عن أي متقدمة، حتى وصل الخبر إلى مصر، ووقتذاك تقدمت رجوات منصور إلى فرع الشركة في القاهرة، معترفة بجرأة بأنها “أوحش ست في العالم”، كما نشر الخبر في مجلة الكواكب.
لم تكن تجربة رجوات منصور مجرد إعلان صحفي عابر، بل كانت رحلة مليئة بالمواقف الصعبة والملهمة، التي كشفت عن شخصية شجاعة تقف أمام الصور النمطية والمظاهر السطحية. تحكي رجوات عن أحد مواقفها في المسرح، حين كانت تشارك في مسرحية تدور حول شاب يبحث عن عروسة، وكانت الخاطبة تعرض له صور فتيات كثيرة. دخلت رجوات المشهد ملفوفة بملاية، وما إن رآها الشاب حتى أغمي عليه من الصدمة، فيما غمرت الضحكات قاعة العرض، والجمهور هتف مندهشًا: “أوعي.. دى وحشة.. وحشة والله العظيم”.
لم تتوقف الصعوبات عند حدود المسرح فقط. في إحدى الفرق المسرحية الصغيرة التي انضمت إليها، حاول شاب القبض عليها بالقوة، فتقدمت لتحرير محضر ضده، وواجهت الاستهزاء عندما نظرت الشرطة إليها بدهشة، معبرة بعينيه عن تساؤل صامت: “إزاي جاله نفس يبوسك؟”، لكن رجوات لم تتراجع، وأصرت على حقوقها وكرامتها.
وفي تجربة أخرى على الشاشة الكبيرة، شاركت رجوات في فيلم “ليلة الدخلة” بدور سوسو، أخت توتو. أثناء تجهيز المكياج الذي يفترض أن يظهرها كفتاة دميمة، رفض المخرج مصطفى حسن النتيجة قائلًا للماكيير: “امسحه.. وخليها بشكلها الطبيعي أحسن”. كان القرار يحمل احترامًا طبيعيًا لملامح رجوات الفريدة، ويؤكد أن جمالها لا يحتاج إلى تحريف أو تشويه، بل يكفي أن تكون على طبيعتها لتترك أثرًا.
رحلة رجوات منصور لم تكن مجرد قصص كوميدية أو مواقف غريبة، بل كانت مسيرة تثبت أن الفن لا يقاس بالمعايير الجمالية التقليدية، بل بالموهبة والجرأة والشخصية. عبر ملامحها غير التقليدية، استطاعت أن تصنع لنفسها مكانة مميزة، وأن تفتح طريقها إلى العالمية رغم كل الصعاب والتحديات، لتصبح مثالًا على أن الأصالة تتفوق دائمًا على المظاهر.
رجوات منصور لم تكن مجرد ممثلة، بل كانت رمزًا للشجاعة والتميز في عالم الفن، وملامحها الفريدة طريقها إلى هوليوود.




