
في صباح عيدٍ حزين، طوى الموت صفحة أحد أكثر الفنانين المصريين قربًا إلى قلوب الجمهور: علاء ولي الدين. رحل فجأة وهو لم يُكمل بعد تصوير فيلمه الجديد «عربي تعريفة»، العمل الذي كان يعلّق عليه آمالًا كبيرة لعودته إلى صدارة شباك التذاكر بعد تعثر فيلم «ابن عز». ومع رحيله، لم تنطفئ فقط ضحكته المميزة، بل بدأت خلف الكواليس أزمة فنية وإنتاجية معقدة، امتدت آثارها لسنوات.
صدمة الرحيل وتعقيدات الإنتاج
ما إن انتهت أيام العزاء، حتى بدأ الحديث يتسرّب حول الخسائر الفادحة التي لحقت بالمنتج. فالفيلم كان قد تجاوز مراحل تصوير مهمة، بل وسافر فريق العمل إلى البرازيل لتصوير مشاهد محورية هناك؛ خطوة رفعت تكلفة الإنتاج إلى أضعاف، إذ شملت إقامة فريق كبير، وتصاريح، وتنقلات، واستئجار مواقع تصوير—all بالدولار. ورغم كل ذلك، لم يكتمل سوى ثلث الفيلم.
الإعلامي محمود سعد روى لاحقًا أن المنتج شعر بأن المشروع قد انهار بموت علاء، وأنه خسر جزءًا ضخمًا من ميزانيته بلا مقابل. ومن هنا، اقترح سعدّ مبادرة إنسانية لإنقاذ الموقف: برنامج تلفزيوني يُسجَّل خصيصًا في ذكرى الأربعين، يُشارك فيه كبار النجوم دون أجر، على أن يذهب العائد كاملًا لتعويض المنتج عن خسائره.
وبالفعل، سجّل البرنامج خلال يومين فقط، في أحد استوديوهات الهرم، وشارك فيه نخبة من نجوم الجيل: أحمد السقا، محمد هنيدي، يسرا، كريم عبد العزيز، منى زكي، حنان ترك، وآخرون. كان البرنامج بمثابة شهادة حب ووفاء لعلاء ولي الدين، لكن اسمه ضاع مع الزمن، إذ لم يُرفع على الإنترنت، ولم يعد متداولًا اليوم.
مصير فيلم لم يكتمل
مع رحيل النجم، وجد صناع الفيلم أنفسهم أمام سؤال صعب: ماذا نفعل بالمشاهد التي صُوّرت؟
كان الحل الأول هو تجميع اللقطات التي أُنجزت في البرازيل وتحويلها إلى كليب غنائي بعنوان «استعراض الجنة»، من كلمات محمد ناصر وألحان هشام نزيه، بينما تولى عمرو عرفة—الذي كان يستعد آنذاك لثاني أعماله السينمائية بعد «أفريكانو»—إخراج هذه المادة.
أما الفيلم ذاته، فكان يحمل في البداية اسم «فتح عينيك» حين عُرض على المخرج عمرو عرفة، لكنّه لم يُقدّم لعلاء في تلك النسخة، لأن الأخير كان منشغلاً حينها بتصوير فيلم آخر يحمل اسم «كارت إرهاب». إلا أن خلافات إنتاجية أوقفت العمل، ثم تحوّل لاحقًا إلى فيلم «ميدو مشاكل»، الذي لعب بطولته أحمد حلمي بعد انسحاب علاء.
محاولات إنقاذ المشروع
بعد وفاة علاء، تعددت الاقتراحات لإنقاذ الفيلم:
الفكرة الأولى: تصوير الفيلم من جديد، مع الفنان هاني رمزي في دور البطولة، وإهداؤه لروح علاء. ورحّب رمزي بالفكرة، لكنها لم تكتمل.
الاقتراح الثاني: الإبقاء على مشاهد علاء، واعتبار موته جزءًا من حبكة الفيلم، على أن يظهر أحمد رزق بدور شقيقه الذي يتابع خط الأحداث. وافق رزق، وبدأت التعديلات، لكن المشروع تعطل مجددًا بعدما أعلنت حنان ترك—بطلة الفيلم—اعتزالها وارتداء الحجاب.
ومع تعاقب العراقيل، أصبح المشروع شبه مستحيل.
النهاية: ربع ساعة فقط…
لم يتبق من الفيلم إلا نحو ربع ساعة، وهي المتاحة اليوم على موقع «يوتيوب»، تشكّل آخر لقطات صورها علاء ولي الدين قبل رحيله. وبمرور الوقت، أعاد مؤلف القصة حازم الحديدي تقديمها في صيغة مختلفة تمامًا، عبر مسلسل بعنوان «حكاية فتاة الليل» بطولة ليلى علوي، مع تغييرات واسعة تناسب الطابع الدرامي للتلفزيون.
هكذا تحوّل فيلم «عربي تعريفة» من مشروع كان سيعيد علاء ولي الدين إلى قمة الكوميديا المصرية، إلى اللقطة الأخيرة في مسيرته التي انقطعت فجأة. لم ينجُ الفيلم، ولم يكتمل المشروع، لكن بقيت الحكاية شاهدًا على قيمة نجمٍ أحبّه الجميع، وعلى صناعة حاولت إنقاذ آخر ما تركه… لكنها لم تستطع أن تعيد الزمن إلى الوراء.



