


لم يكن البطل العالمي مختار حسين، الذي رفع اسم مصر عاليًا في بطولات رفع الأثقال بين عامي 1928 و1936، يتوقع أن تنتهي رحلته مع المجد بوصل قيمته جنيهين، وإخطار رسمي يحرمه من ممارسة مهنته التي عشقها. ففي يومٍ من ربيع عام 1957، وبينما كان طريح الفراش بعد حادثٍ ألزمه الجبس والعجز المؤقت، تسلّم خطابًا رسميًا جاء فيه: “السيد مختار حسين.. تقرر استبعاد اسمكم من جدول أعضاء نقابة المهن التمثيلية لعدم سداد الاشتراك المستحق، ولا يحق لكم ممارسة أي عمل تمثيلي وإلا تعرضتم للعقوبات المنصوص عليها قانونًا”. لم تكن قيمة الاشتراك سوى جنيهين، لكن وقع الرسالة جاء أثقل من كل ما حمله مختار من أوزان طوال مسيرته.
مجلة “المصور” علمت بالقصة، فأوفدت محررًا إلى منزل مختار حسين بحي محمد علي؛ منزل متواضع لا يليق ببطل عالمي حمل على كتفيه اسم مصر، كما حمل الأثقال. تساءل المحرر بدهشة: كيف لبطلٍ عالمي أن يعيش في هذا المسكن البسيط؟ فأجابه مختار بنبرة حزينة إن الظروف لم تمكنه من تحسين وضعه المعيشي، رغم سنوات من العمل والكفاح.
استعاد مختار ذاكرته، ليحكي للمحرر كيف كانت مكافأته على بطولاته وظيفة “ملاحظ” في مصلحة التنظيم، على الدرجة السادسة، يتنقل بين مراقبة إشغالات الطريق والعوامات الراسية في النيل. راتب لا يكفي قوت يوم، فما بالك بإعالة أسرة وأطفال. ولأن الحياة لا ترحم، افتتح ناديًا رياضيًا في شارع جلال، يدرب فيه شبابًا من هواة الرياضة، لكنه قال بأسى: “لم أجد إلا الفقراء، والإيراد كان لا يكفي حتى التكاليف”.
ومع ضيق الحال، حاول أن يجد في التمثيل باب رزقٍ جديدًا، فشارك في أعمال سينمائية، لكنه وجد نفسه محصورًا في أدوار الحارس والفتوة، لا البطولة التي حلم بها. وحين سألهم: “لماذا لا أمثل أدوار بطولة؟” كان الرد قاسيًا: “أدوار البطولة لفتيان العصر.. وأنت لست منهم”. فقبل بالأدوار الصغيرة، على أمل أن تأتي بأجر يعينه على الحياة.
لكن القدر كان له رأي آخر. تعرض مختار لحادث بدراجته النارية، نُقل على أثره إلى المستشفى، وهناك استقبله الإهمال الطبي بلا اهتمام. عاد إلى البيت وهو يتألم، ليأتي الطبيب لاحقًا ويؤكد أن ساقه مكسورة، وتحتاج إلى الجبس. تراكمت الديون، ووصلت إلى مائة جنيه، ولم يجد من النقابات أو الاتحادات الرياضية من يمد له يد العون، رغم أن القانون يلزمهم بمساعدة الأعضاء في حالات المرض والعجز.
ومع ذلك، ظل مختار مبتسمًا، كما وصفه محرر المصور: “ضحكة مبكية”، ضحكة تحمل مرارة الخذلان، وإيمان الصابرين. وفي نهاية الحوار، نشرت المجلة صورة لوصل يفيد بأن “المصور” تكفلت بدفع جنيهين فقط، هما سبب إغلاق كل الأبواب أمام مختار حسين.
كان مختار يقول دائمًا: “لم أرضَ بالهم، لكن الهم هو من اختار أن يلازمني”. ومع ذلك، ظل قلبه عامرًا بالأمل، ينتظر لحظة إنصاف، ولو بعد حين.



