توب ستوريخارجي

كفاح صلاح قابيل… رحلة نجم صعد من الشارع إلى الضوء

بدأ كفاح الفنان الكبير صلاح قابيل مبكرًا، قبل أن يعرف طريقه إلى الشهرة أو تتعلق صورته بأذهان المشاهدين على شاشة السينما والتلفزيون. كان ذلك عام 1950، حين كان طالبًا في مرحلة التوجيهية، وأحد زعماء الطلبة الذين قادوا المظاهرات داخل مدرسة الخديو إسماعيل الثانوية، معبرًا عن روح جيل كامل يبحث عن صوته ومكانه في الوطن.

ومع تشديد الحكومة وصدور التحذيرات بمنع الإضرابات، وجد الشباب أنفسهم مضطرين لتفريغ طاقتهم في مسارات أخرى، رياضية وفنية. هنا، اختار صلاح قابيل طريقًا مختلفًا، فاتجه إلى فريق التمثيل بالمدرسة، ليس بدافع الاحتراف في البداية، بل حبًا في الخطابة التي كان يعشقها. غير أن المسرح سرعان ما جذبه، ووقف على الخشبة بطلاً لمسرحيتين في العام نفسه، ليحصد تصفيقًا طويلًا من الجمهور، كان بمثابة المكافأة الأولى التي ربطته بالتمثيل إلى الأبد.

ورغم هذا الشغف المبكر، لبّى صلاح رغبة والده والتحق بكلية الحقوق، على أمل أن يصبح محاميًا. لكنه لم يستطع مقاومة نداء الفن، فالتحق بعد عامين بمعهد التمثيل إلى جانب دراسته الجامعية. ولم تمهله الحياة طويلًا ليستقر؛ إذ رحل الأب، الذي كان العائل الوحيد للأسرة، ليجد صلاح نفسه فجأة أمام مسؤولية ثقيلة، وبيت لا مورد له سوى جهده.

في تلك اللحظة الفاصلة، اتخذ صلاح قابيل قراره الصعب. ترك كلية الحقوق، واكتفى بالدراسة في معهد التمثيل، وعمل موظفًا في قلم المرور. كان راتبه ثمانية جنيهات ونصف الجنيه، يعيش بها هو ووالدته وثلاثة من إخوته. من هنا، بدأت الحياة تكشف عن وجهها القاسي، لكن الشاب لم يتراجع، بل واجه الواقع بشجاعة نادرة.

تحمل صلاح مسؤولية الأسرة في فخر، بدافع الحب والوفاء لأبيه الراحل، الذي خطف قلب الابن معه كما كان يقول المقربون. مرات كثيرة كان المرتب يتبخر قبل نهاية الشهر، ويقضي بقية الأيام في مرارة وضيق، لكن تلك التجربة صقلته، وخرج منها أكثر قوة ونضجًا، متمرسًا على تحمل الأعباء دون شكوى.

من هذه المرحلة القاسية تعلم صلاح قابيل درسًا إنسانيًا عميقًا؛ أحب الناس جميعًا، ولم يسمح للكراهية أن تجد طريقها إلى قلبه. ظل صبورًا، مؤمنًا بأن لكل مجتهد نصيبًا، حتى جاءت اللحظة التي بدأت فيها القسوة تنحسر، مع افتتاح التلفزيون المصري، الذي وجد فيه فرصته الحقيقية، ومساحة أوسع لإبراز موهبته.

ورغم بدايات النجاح، لم يترك صلاح وظيفته الحكومية إلا عام 1963، متمسكًا بالأمان الوظيفي إلى أن اشتد عوده فنيًا. بعدها، انطلق في مسيرته ليصبح واحدًا من أبرز نجوم الشاشة، حاملاً في ملامحه وخياراته الفنية أثر تلك السنوات الصعبة. وهكذا كتبت مجلة «الكواكب» عن النجم الكبير صلاح قابيل، باعتباره نموذجًا نادرًا للفنان الذي صنع مجده بالكفاح، قبل أن تصنعه الأضواء.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى