
في فترة اتسمت بتداخل الحياة السياسية مع المجال الفني، كانت بعض نجمات السينما المصرية، ومن بينهن فاتن حمامة، عرضة لضغوطات سياسية غير مسبوقة، تهدف أحيانًا لاستغلال شهرتهن لصالح أجهزة الأمن والمخابرات. وفي ليلة لم تنسها فاتن، فوجئت بزيارة ضابط مخابرات إلى منزلها، محمّلًا بكتب حول التخابر، وهو ما جعلها تدرك أن الدور الذي قد يُفرض على الفنانات للانخراط في أنشطة استخباراتية بات قريبًا منها.
تروي فاتن حمامة: “كان هناك تهديد مباشر تقريبًا، طلب مني التعاون، فسألته كيف؟ فقال اقرأ هذه الكتب أولًا، وأكد لي أنهم يثقون بي، وأنهم لن يؤذوا إخوتي رغم معرفتهم بأحاديثهم”. ورغم ذلك، عاشت فاتن أسبوعًا كاملًا بلا نوم، تقرأ الكتب وتكابد الضغوط، وكرهت النظام الذي فرض عليها هذا الاختبار.
حين قررت مغادرة مصر والسفر إلى بيروت، واجهت منعًا من السفر، إلا أن تدخل زكريا محيي الدين، الذي كانت تربطها به علاقة صداقة عائلية، مكّنها من إنهاء الإجراءات المعقدة، رغم أن صلاح نصر، رجل المخابرات الأول في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ظل يشكل تهديدًا مباشرًا.
تعرضت فاتن لاحقًا لحملة ممنهجة لتشويه سمعتها، إذ انتشرت شائعات عن علاقاتها بأجهزة مخابرات عربية ومنعها من المشاركة في المهرجانات، وشارك في هذه الحملة بعض الصحفيين سواء عن جهل أو عن قصد، ما أدى إلى إقالة رئيس تحرير مجلة “الكواكب”. وبحسب روايات صحفية، سمح رئيس التحرير السابق في يوليو 1965 بنشر رسوم كاريكاتورية تسخر من حياتها الشخصية وزوجها عمر الشريف، مروجًا لمزاعم خاطئة عن مطاردتها وراء الحياة الأوروبية والسينما العالمية.
رغم هذه الضغوط، لم تتوقف فاتن عن العمل الفني في أوروبا، فصورت أفلامًا بعيدة عن مصر، مثل “رمال من ذهب” في المغرب و”الحب الكبير” في لبنان، وواصلت نشاطها السينمائي، بل والتقت بأم كلثوم في باريس، التي طمأنتها على حريتها في العودة لمصر.
عادت فاتن حمامة إلى القاهرة في فبراير 1970، في زيارة قصيرة استكشافية لمدة عشرة أيام، قبل أن تستقر نهائيًا بعد وفاة عبد الناصر في 1971، لتعيش مع أولادها نادية وطارق في شقتها في الزمالك، وتعود تدريجيًا إلى حياتها الفنية. وفي حوار نادر مع الكاتب أنيس منصور، كشفت فاتن لأول مرة عن مطاردة المخابرات لها، ومعاناتها في الخارج، وعن الضغوط التي تعرضت لها للحيلولة دون سفرها، مؤكدة أنها اختارت الغربة بدلًا من الانخراط في لعبة السياسة القذرة، حفاظًا على حريتها وكرامتها.
ومع ذلك، نفى صلاح نصر في مذكراته تلك الادعاءات، مؤكّدًا أنه لم يلتقِ فاتن حمامة شخصيًا، وأنه لا يعرف مدى صحة ما صرحت به، وهو ما دفعها لرفع دعوى قضائية ضدها وضد أنيس منصور، وما زالت القضية قائمة أمام القضاء حتى اليوم، شاهدة على واحدة من أصعب الفترات في حياة أيقونة الشاشة المصرية.




