
عُرف عن الفنان المصري الكبير عزيز عيد أنه يندمج اندماجًا تامًا في كل أدواره، بحيث يصبح الدور جزءًا من كيانه، ويستمر تأثيره عليه حتى بعد عودته إلى بيته. هذه الصفة الفنية الفريدة جعلته نموذجًا استثنائيًا للتمثيل الجاد، لكنه في الوقت نفسه عرضة لمواقف طريفة بسبب هذا الانغماس العميق في الشخصية.
وفي أحد الأيام، استغلت الفرقة المسرحية بقيادة فاطمة رشدي هذا الاندماج، لتحقيق موقف كوميدي أثناء تقديم مسرحية “راوية السلطان عبد الحميد”. في هذه المسرحية، كان عزيز عيد يؤدي دور السلطان عبد الحميد، بينما كان الممثل يوسف حسني يجسد شخصية سليم بك.
حين حان موعد رفع الستار، لم يحضر يوسف حسني في البداية، فقرر عزيز، انطلاقًا من انغماسه في شخصية السلطان، أن يخصم من راتب يوسف 30 قرشًا، تمامًا كما يفعل السلطان مع موظفيه في البلاط.
وفجأة، دخل يوسف المسرح وأدرك الموقف، فاستغل اندماج عزيز التام في دوره ليقنعه بالعدول عن القرار. قال يوسف بصوت متوسل:
“لقد خصمتم، جلالتكم، مني 30 قرشًا.. وأنتم تعلمون أن مرتبي ضئيل، وأنا غلبان.”
تجسد هنا التمثيل داخل التمثيل، حيث التزم عزيز بشخصية السلطان حتى في الحوار اليومي، فتوقف عن تصفيف لحيته، ورد بابتسامة مرسومة على وجهه، وبصوت السلطان نفسه:
“صدرت الأوامر برد الغرامة إليكم على ألا تعودوا إلى زلتكم.”
هذا الموقف يعكس شيئًا من عبقرية عزيز عيد الفنية، التي جمعت بين الانضباط في أداء الدور وروح الدعابة، فضلاً عن مهارته في تحويل المواقف الحياتية إلى لحظات تمثيلية خالدة.
كان اندماج عزيز التام في الدور سببًا في نجاحه الكبير، فقد استطاع أن يجعل الجمهور يعيش كل مشهد وكأنه حقيقة، بينما يستفيد زملاؤه من هذا الانغماس لإضفاء أبعاد كوميدية أو درامية على المشاهد. وهكذا، أصبحت شخصية السلطان عبد الحميد التي قدمها على خشبة المسرح مثالًا حيًا على الفن الذي يعيش في قلب الممثل وروحه، وعلى قدرة الفنان على تحويل كل موقف إلى درس في الأداء والذكاء المسرحي.
قصة عزيز عيد مع يوسف حسني ليست مجرد طرفة مسرحية، بل نموذج حي على العلاقة بين الممثل وشخصيته الفنية، وعلى كيف يمكن للاندماج الكامل في الدور أن يتحول إلى أداة قوة وتأثير حتى في أبسط التفاصيل اليومية.




