التعليمتوب ستوري

طه حسين وياسر رزق وغيرهم.. صراع الأموات من أجل البقاء

ليس أثراً ولا ينطبق عليه شروط التسجيل، أيضا ليس كل مبنى قديم آثر، وبالطبع سنشكل لجنة لمعاينة الشواهد والأحجار لدراستها وبحث إمكانية عرضها في المتاحف كجزء من تراث مصر.. هكذا يكون الأمر مع كل حملة تهدف لإنقاذ مبنى تاريخي في القاهرة القديمة أو الإسكندرية، أو في أي مدينة مصرية، غالبا يكون الرد الحكومي أنه لم يسجل أثرًا أو لم يمر عليه ١٠٠ عام، ومع كل قرار بالهدم في أي مكان أثري يعود نفس التبرير من وزارة الآثار بعدم أثرية المباني المهدمة، وتهدأ الأوضاع بتشكيل لجنة لتدرس وتعاين.

 

هذه المرة ليست كالسابق، لأنها تتعلق بعميد الأدب العربي، الأديب الراحل طه حسين، الذي يعد من أهم مفكرين العرب في القرن العشرين، رحل حسين منذ زمن ولكن بقيت رفاته هنا في منطقة الخليفة بمصر القديمة، لتثير الجدل مجددا بعد رحيله بقرابة خمسون عامًا.

طه حسين لا يعرف كيف يكتب القصة | صحيفة الخليج

علامة x بالون الأحمر وضعت على باب قبره في مايو المنصرم جعلت الأجواء تقلب رأسا على عقب، وطرحت العديد من التساؤلات حول إزالة مقبرة العميد من أجل إقامة محور ياسر زرق الجديد الذي يربط هضبة المقطم بالقاهرة، ضمن أعمال التطور التي تتولها الحكومة المصرية، أم أن الأمر محض صدفة فقط ولن يحدث ما يتردد؟، بعد إثارة للجدل أعلنت محافظة الجيزة أنها لم تتلقى أي إخطارًا رسميا بإزالة مقبرة العميد وأن ما يتردد مجرد شائعات مغرضة لا أساس لها من الصحة، وبالفعل قامت بمحو هذه العلامة التي تشير إلى الإزالة.

 

هل إزالة علامة x معاناة نجاة المقبرة من الهدم؟

علامة x  التي وضعت على باب القبر تم محوها تماما من قبل السلطات، ولكن هل هذا يعني أن قبر عميد الأدب العربي بات في مأمن من تلك التطورات التي تأتي على حساب التاريخ العظيم؟، هذا الأمر يشغل بال العديد من محبي عميد الأدب العربي، وجعل ذاكرة الماضي تعود إلى التفكير مرة ثانية، والمشاهد التي حدثت في “قرافة المماليك” في ٢٠١٧، من هدم مقابر علماء من أجل توسيع الطريق الرابط بين الدراسة وباب الشعرية، عبر شارع البنهاوي وامتداده بشارع جلال، وربطهما بشارع المنصورية، لتسهيل حركة المرور.

 

في ليلة بكت فيها القاهرة الفاطمية التاريخية، حينما دهس البلدوزر رفات علماء أجلاء ضمن تنفيذ مشروع توسيع الطريق الرابط بين الدراسة وباب الشعرية، حيث هدم ” حوش الصوفية” الذي يحتضن جثامين عددا كبيرا من المتصوفة والزهاد بالإضافة لـ١٤ عالما من أعلام الفقه والحديث والتفسير والتاريخ، ولعل أشهرهم المؤرخ تقي الدين المقريزي وأيضا عبد الرحمن بن خلدون رائد علم الاجتماع.

السلطات المصرية تحسم الجدل حول هدم قبر طه حسين

في الوقت الذي تحتفي فيه الدول برجالها الذين أسسوا حضارتها ودونوا تاريخها، وتحول مقر إقامتهم وقبورهم إلى مزارات سياحية يتفاخرون بها أمام الأجيال الشابة والسياح القادمين من الخارج، كانت مصر تتهاون وتهين أسلافها وأعلامها مثل المقريزي وابن خلدون بهدم مقابرهم، وذلك كما وصفت الكاتبة الصحفية سناء صليحة آنذاك في مقال لها تنتقد فيه تعامل المسؤولين المصريين في التعامل مع التاريخ بهذه الطريقة.

 

دراسة أثرية أكدت أن حوش الصوفية الواقع في جبانة باب النصر بمقابر المماليك وسط القاهرة الذي بلغت مساحته قرابة فدانين، كان مقبرة لصوفية خانقاة سعيد السعداء والخانقاة البيبرسية، وأيضا كان مقبرة لابن خلدون والمقريزي وغيرهم من الشخصيات التاريخية الهامة، ولأسباب مجهولة ظل هذا المكان خارج سجلات الآثار، الأمر ذاته الذي لم يقع المسؤولية القانونية على مسؤولي الحي عند إزالته.

 

قبر المطربة داليدا في باريس

وضعت الحكومة المصرية شروطا لضم الأماكن القديمة إلى الآثار، من أهمها أن يكون مضى علـى بناءه ١٠٠ عامًا، وتكون حالته جيدة، ويوجد به عناصر زخرافيه سواء نباتيه أو هندسية، ويتم إعداد ملف كامل حول عناصر المبني لتراجعه لجنة من الآثار، ثم يصدر قرار وزاريا بتسجيل العقار ضمن الأماكن الأثرية، إذا رأت اللجنة أنه مناسبا لذلك، ووفق هذه الشروط فإن قبر المطربة الراحلة داليدا في باريس واحد من المزارات السياحية الشهيرة في العاصمة الفرنسية لكنه بالمعايير الحكومية المصرية لا يستحق الحفاظ عليه لأن تاريخه لا يتجاوز ٣٥ عامًا، وبنفس القواعد السابقة قد نفقد العديد من المباني التراثية ذات الأهمية الثقافية والسياحية في مصر ، وبالقواعد ذاتها ظلت مقابر اليهود في البساتين مهملة لسنوات قبل البدء في إنقاذها مؤخرا، وكذلك العديد من منازل ومقابر سياسيين مصريين منذ فترة الملكية لم تسجل كآثار، وكذلك مقابر أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم وطلعت حرب وغيرهم.

داليدا عاشت هنا.. صور خاصة لمنزل أيقونة الجمال المصرى فى فرنسا - اليوم السابع

 

أبو حصيرة وجلال السيوطي والجبرتي

 

في دلتا مصر بمحافظة البحيرة تقع مقبرة “أبو حصيرة” وهي التي تضم رفات الحاخام اليهودى يعقوب أبو حصيرة، في نطاقة مركز دمنهور، والتي تم ضمها للأماكن الأثرية على مساحة ٣ أفدنة منذ ٢٠١٢، حتى صارت مزارًا سياحيا يقصده العديد، في المقابل لم يتم ضم مقام خزانة العلم “جلال الدين السيوطي” المفسر والمؤرخ الشهير الذي له نحو ٦٠٠ مصنف إلى الأماكن الأثرية، وأيضا المؤرخ الشهير عبد الرحمن الجبرتي، الأمر الذي جعل الشاعر والكاتب فاروق جويدة يخرج عن صمته منذ فترة في مقال له، يطالب يإنشاء نصب تذكاري لهؤلاء العلماء والشخصيات الهامة الذين هدمت قبورهم ويكتب عليه كنوع من الاعتذار: ” “هنا يرقد أئمة الصوفية ونخبة من علماء مصر وأوليائها الصالحين.. هنا قبر ابن خلدون والمقريزي”.

 

الشرق الأوسط

العز بن عبد السلام

جميع الأسماء التي ذكرت وغيرها لها أثر كبير في التراث المصري القديم، سواء في تدوين التاريخ وعلوم الاجتماعي أو حتى في الأدب أو السياسة، الأمر الذي يفرض علينا أن نحتفي بهم وندرس حياتهم وندرسها للأطفال، وأيضا السعي نحو وجود مقترحات جديدة تفتح أبوابا للتطور واستمرار العمل النهوض بالبنية التحتية ولكن ليس على حساب التراث وهدم الأماكن الأثرية التي تمثل الهوية المصرية، وفي عام ٢٠٢٠ أثر الجدل حول مقبرة سلطان العلماء العالم العز بن عبد السلام  في قرافة البساتين بالقاهرة، والتي سيتم هدمها بسبب انشاء محور الفردوس الجديد الذي تم العمل على إنشائه آنذاك، ولكن اتضح أن المحور سيمر بجوارها، ولكن بقائها دون هدد لم يمنع من وصولها إلى حالة من الإهمال الشديد لا يجعلها تليق باسم العالم الجليل العز بن عبد السلام.

سُلطان العلماء".. العز بن عبدالسلام الذي دُفن في البساتين و | مصراوى

إقرأ أيضا:

 

https://honaalkaheera.com/5670/%d8%a5%d8%b2%d9%8a%d8%af%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%87-%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%ba%d8%b1%d9%82%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d9%84-%d8%a7/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى