أمرتِ النيابةُ العامةُ بحبسِ المتهمِ أحمد شحته الطبيبِ بمستشفَى معهدِ ناصرٍ، وعاملٍ لديهِ بعيادتِهِ، ومحاميةٍ على عَلاقةٍ بها، حبسًا احتياطيًّا على ذمةِ التحقيقاتِ الجاريةِ معَهُم؛ لاتهامِهِم بارتكابِ جنايةِ قتلِ الطبيبِ المجنيِّ عليهِ أسامة توفيق عمدًا مع سبقِ الإصرارِ، والتي اقترنتْ بجنايةِ سرقتِهِ بالإكراهِ، وذلكَ بعدما أقرُّوا بتخطيطِهِم لِاستدراجِهِ وتخديرِهِ لسرقتِهِ، ثم دفنِهِ بحفرةٍ في عيادةِ الطبيبِ بعد وفاتِهِ من أثرِ التخديرِ.
مقتل طبيب الساحل
حيثُ كانتِ النيابةُ العامةُ قد تلقتْ إخطارًا يومَ الِاثنينِ الموافقِ الثاني عشَرَ من شهرِ يونيُو الجارِي بتغيّبِ المجنيِّ عليهِ أسامة توفيق -طبيبُ عظامٍ بمستشفَى معهدِ ناصرٍ- منذُ اليومِ الرابعِ مِن ذاتِ الشهرِ، إذ كان متوجّهًا لعملِهِ وأغلقَ هاتفَهُ واختفَى أثرُهُ، وأنَّ الشرطةَ قد تمكّنتْ باستخدامِ التقنياتِ الحديثةِ مِن تحديدِ آخرِ زمانٍ ومكانٍ تواجدَ بهما، حيثُ كانَ بِرُفقةِ صديقِهِ المتهمِ أحمد شحته -طبيبُ عظامٍ بذاتِ المستشفَى-، فانتقلتِ الشرطةُ لمقرِّ عيادةِ الأخيرِ بدائرةِ القسمِ، فتبيّنتْ وجودَ آثارِ ترميماتٍ بها وحَفرٍ حديثٍ وأجولةٍ تحوِي مخلفاتِ الحفرِ، فضلًا عن انبعاثِ رائحةٍ كريهةٍ منَ العيادةِ، فاشتبهتْ لذلكَ في وجودِ جثمانٍ مدفونٍ بها، فأخطرتِ النيابةَ العامةَ التي باشرتْ تحقيقاتِها على الفورِ.
إذِ استهلتْهَا بالِانتقالِ لمقرِّ عيادةِ المتهمِ لمعاينتِهَا وفي رفقتِها الطبيبُ الشرعيُّ وأحدُ المختصينَ بالإدارةِ العامةِ لتحقيقِ الأدلةِ الجنائيةِ، حيثُ تبينتْ بالوصولِ إليها انبعاثَ رائحةٍ كريهةٍ منها، وبعثرةً ببعضِ محتوياتِها، وعثرتْ على آثارِ دماءٍ فيها، وأدواتِ حفرٍ وهدمٍ مخبأةٍ سبَقَ استخدامُها، ومخلفاتٍ للحفرِ، والعديدِ مِن الملاءاتِ الطبيةِ، إذ تمكنتِ النيابةُ العامةُ أثناءَ المعاينةِ من تحديدِ مصدرِ الرائحةِ الكريهةِ عند أعمالِ ترميمٍ وبناءٍ حديثةٍ أسفلَ ثلاجةٍ بإحدى الغرفِ، فأمرتْ بالحفرِ تحتَها فعثرتْ على جثمانِ المجنيِّ عليه، وكلَّفتِ الطبيبَ الشرعيَّ بإجراءِ الصفةِ التشريحيةِ عليهِ؛ لبيانِ ما بهِ من إصاباتٍ، وسببِ وكيفيَّةِ وفاتِهِ، مع أخْذِ عيناتٍ منهِ لاستخلاصِ بصمتِهِ الوراثيةِ، وكذا فحصُ آثارِ الدماءِ المعثورِ عليها بالعيادةِ، ومقارنةُ بصمتِهَا الوراثيةِ ببصمةِ المجنيِّ عليه، وفحصُ العقاقيرِ الطبيةِ المعثورِ عليها بالعيادةِ لبيانِ نوعِها، وطلبتِ النيابةُ العامةُ تحرياتِ الشرطةِ حولَ الواقعةِ.
كما عثرتِ النيابةُ العامةُ على بعضِ آلاتِ المراقبةِ التي توصلتْ من مشاهدةِ تسجيلاتِها إلى تحديدِ خطِّ سيرِ المجنيِّ عليهِ منذُ خروجِهِ من مستشفَى معهدِ ناصرٍ مساءَ اليومِ الذي اختفَى مِن بعدِهِ -يومِ الرابعِ من شهرِ يونيُو الجارِي- في رُفقةِ أحدِ المتهمينَ الثلاثةِ، وهوَ العاملُ بالعيادةِ، ودخولِهِما عقَارًا بشارعِ مسجدِ الرحمةِ، ثم خروجِهِما ومعَهُما الطبيبُ المتهمُ من ذاتِ العقارِ صباحِ اليومِ التالي.
كما كانتْ قد التقتِ النيابةُ العامةُ بعددٍ من الشهودِ لسؤالِهِم، حيثُ استمعتْ لأقوالِ أربعةٍ منهُم، فتبيّنتْ من حاصلِ أقوالِهِم أنَّ المجنيَّ عليه قد تواجدَ في القاهرَةِ في الثالثِ من الشهرِ الجاري، ثمَّ في الخامسِ من ذاتِ الشهرِ وهو اليومُ الذي كان مُزمِعًا على لقاءِ أحدِ أصدقائِهِ فيهِ، حيثُ اختفَى أثرُهُ وتبيَّنَ غلْقُ هاتفِهِ، وكانَ آخرَ ما عُرفَ عنه تواجدُهُ بمقرِّ عملِهِ في اليومِ السابقِ، كما أكَّدَ الشهودُ أنَّ الطبيبَ المتهمَ والعاملَ لديْهِ قد اشتريَا موادَّ بناءٍ من حانوتٍ على مقربةٍ من العيادةِ على مدارِ الشهريْنِ الماضيينِ بحجةِ القيامِ بأعمالِ ترميمٍ فيها، وعبواتِ “مياهِ نارٍ” بحجةِ وجودِ انسدادِ بحمامِها، وتوليَا نقلَها دونَ غيرِهِما.
وفي أثناءِ اتخاذِ النيابةِ العامةِ إجراءاتِ التحقيقِ توصلتْ تحرياتُ الشرطةِ إلى تحديدِ هُويَّةِ مرتكبِي الجريمةِ، وهمُ الطبيبُ صديقُ المجنيِّ عليه المدعوُّ أحمد شحته، وعاملٌ لديهِ ومحاميَةٌ تربطُهَا به عَلاقةٌ عاطفيَّةٌ، فأمرتِ النيابةُ العامةُ بضبطِهِم وإحضارِهِم، وأُلقِيَ القبضُ عليهم نفاذًا لذلكَ، وباستجوابِ المتهمِ صديقِ المجنيِّ عليه أقرَّ أنه لعلمِهِ من عَلاقتِهِ بالمجنيِّ عليه بتيسرِ حالِهِ ماديًّا، ودوامِ حيازتِهِ لعملاتٍ أجنبيةٍ، وبطاقاتٍ ائتمانيةٍ، اتفقَ والمتهميْنِ الآخريْنِ في غُضونِ مايو الماضِي على سرقةِ المجنيِّ عليه بعدَ أنْ تَستدرجَهُ المحاميةُ إلى وَحدةٍ سكنيةٍ يستأجرُها العاملُ بحجةِ توقيعِ كشفٍ طبيٍّ منزليٍّ فيها، حيثُ يُخدّرُهُ هوَ والعاملُ ويقومانِ بسرقتِهِ، ونفاذًا لمخططِهِم اشترتِ المحاميَةُ عقَّارًا مخدِّرًا وصفَهُ الطبيبُ لها، ثم في الثالثِ من الشهرِ الجاري طلبتِ المحاميةُ من المجنيِّ عليه الكشفَ الطبيَّ المدعَى، وحدَّدَ العاملُ بالعيادةِ عنوانَ الوَحدةِ السكنيةِ المستدرجِ إليها، فقصدَهَا المجنيُّ عليهِ في اليومِ التالي، وفورَ وصولِهِ إليها برفقةِ العاملِ، قيّدَهُ الطبيبُ والعاملُ وحقنَاهُ بالمخدِّرِ فأغشِيَ عليهِ، وسرقَا حافظةَ نقودِهِ وبطاقاتِ الائتمانِ التي بحوزتِهِ، وأغلقَا هاتفَهُ وأتلفَاهُ خشيةَ تتبعِهِ، ولما بدأَ يستعيدُ وعيَهُ حقناهُ بالمخدِّرِ مرةً أخرَى ونقلاهُ لعيادةِ المتهمِ بالساحلِ فجرَ اليومِ التالي خشيةَ افتضاحِ أمرِهِما، إذ أخفيَاهُ فيها داخلَ حفرةٍ كانا قد أعدَّاهَا سلَفًا- ادَّعى الطبيبُ المتهمُ إعدادَها لتخزينِ أدويةٍ فيها لبيعِها لاحقًا- ولمَّا استعادَ المجنيُّ عليهِ وعيَهُ حينئذٍ، وحاولَ الاستغاثَةَ خدَّرَهُ الطبيبُ مرّةً ثالثةً وتركَهُ دونَ مأكلٍ أو مشربٍ ليوميْنِ متتابعيْنِ حتى تُوفّيَ، فدفنَهُ هو والعاملُ داخلَ الحفرةِ وفرَّا هاربيْنِ.
هذا، وقد أكَّدَ العاملُ لدى المتهمِ والمحاميةُ التي تربطُهُ علاقةٌ بها ذاتَ إقرارِ الطبيبِ خلالَ استجوابِهِما، وأشارَ العاملُ إلى أنَّ الطبيبَ أفهمَهُ أنَّ الغرضَ مِنِ استدراجِ المجنيِّ عليه هو الانتقامُ منه لخلافٍ بينَهُما، وأكدتِ المحاميةُ أنَّ قصدَ الطبيبِ والعاملَ من حفرِ الحفرةِ بالعيادةِ قبلَ الواقعةِ بفترةٍ هو قتلُ المجنيُّ عليه والتخلصُ مِن جثمانِهِ بدفنِهِ فيها بعدِ سرقةِ أموالِهِ، أو طلبِ فديةٍ مِن ذويهِ نظيرَ إطلاقِ سراحِهِ، وقد أجرَى المتهمانِ الطبيبُ والعاملُ محاكاةً مصورَةً لكيفيةِ ارتكابِهِما الجريمةَ داخلَ الوَحدةِ السكنيةِ التي استدرجَ المجنيُّ عليه إليها، والعيادةِ التي عُثِرَ على جثمانِهِ بها.
وعلى هذا أمرتِ النيابةُ العامةُ بحبسِ المتهمينَ الثلاثةِ احتياطيًّا على ذمةِ التحقيقاتِ؛ لاتهامِهِم فيها بقتلِ المجنيِّ عليه عمدًا مع سبقِ الإصرارِ المقترِنِ بسرقتِهِ بالإكراهِ، وجارٍ اتخاذُ إجراءاتِ أخرَى في سبيلِ إقامةِ الدليلِ قِبَلَهُم، واستكمالُ التحقيقاتِ.