توب ستوريفن

صدام السحاب.. القصة الخفية وراء آخر معارك فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ

في صيف عام 1970 أعلن الموسيقار فريد الأطرش عزمه على إحياء حفلتين في بيروت، فقام متعهد الحفلات بحجز أجمل مسرحين في العاصمة اللبنانية، ليكونا مسرحًا لصوت “ملك العود”. غير أن الصدفة وضعت الفنان عبد الحليم حافظ أمام مفاجأة غير متوقعة، إذ وجد أن المسرحين الوحيدين اللائقين قد حُجزا بالفعل لفريد الأطرش، فغضب واعتقد أن فريد تعمد استبعاده من المشهد البيروتي انتقامًا منه أو رغبة في التفرد.

 

لكن الحقيقة كانت أبسط وأجمل؛ فريد الأطرش، الرجل الطيب القلب، لم يكن من هواة المعارك ولا ممن يحيكون المكائد، بل كان صريحًا إلى حد أنه لا يستطيع إخفاء سرٍّ لو أراد. إلا أن الصحف اللبنانية حينذاك ضخمّت الخلاف، وجعلت منه قضية الموسم، حتى بدا الأمر وكأنه صدام بين جبلين من الفن العربي.

 

وفي لقاء تلفزيوني جمع “العندليب” و”البلبل”، انكشفت الحقيقة وزال سوء الفهم، فعانق عبد الحليم فريدًا، لينتهي الخلاف بعبارة صافية كما اعتادا أن يقولا: «صافي يا لبن».

 

ومع مرور السنوات خمدت نيران المنافسة، وحلّت محلها مشاعر الود والرحمة. أصبح المرض رابطًا خفيًا يجمع بينهما أكثر من أي صلة أخرى. كان عبد الحليم كلما علم بوعكة تصيب فريد، يسارع بالاتصال أو الزيارة ليطمئن عليه، رغم أنه هو نفسه كان يذوق مرارة المرض يومًا بعد آخر. وكان فريد بدوره يرتجف قلبه كلما سمع عن نزيفٍ باغت عبد الحليم، فيزوره ويغمره بحنان أبوي نادر، ويقول دفاعًا عنه لمن اتهمه بالتمارض:

 

“يا ناس، ارحمونا.. لن تدركوا أننا نصارع الموت صراع الأبطال إلا حين تبحثون عنا فلا تجدونا.”

 

لقد جمعهما الألم أكثر مما فرّق بينهما الفن. وحين كانت الصحافة مشغولة بإشعال نيران المنافسة، كانت المودة الحقيقية تتوارى بعيدًا عن العناوين، لأن الصحافة – كما قال فوميل لبيب – تبحث دائمًا عن الإثارة، لا عن العطف.

 

وفي أيام فريد الأخيرة بلندن، زاره عبد الحليم في المستشفى. عانقه طويلًا، وسأله إن كان يحتاج إلى مال، فاغرورقت عينا فريد بالدموع وقال له: «سلمت لي يا حليم.. خذ بالك من نفسك.» كانت تلك ليلة هادئة تبادلا فيها الأحاديث كأنهما يعلمان أنها ليلتهما الأخيرة معًا.

 

لم تمضِ سوى أيام حتى أسدل القدر ستار النهاية. عاد فريد إلى بيروت كما نصحه الأطباء، في رحلة وداع قصيرة أدرك أنها الأخيرة. وبعد رحيله بكى عبد الحليم صديقه بحرقة، وقال في وداعه:

 

“الذين عقدوا المقارنات بيني وبين فريد في حياته ظلموه.. فهو أستاذ وعملاق، وهو مدرسة يُكتب لها الخلود.”

 

وكأن القدر أراد أن يخلّد المعنى في عبارته تلك، فكما خُلّد فريد الأطرش في قلوب محبيه، خُلّد عبد الحليم حافظ هو الآخر، لتبقى ذكراهما معًا شاهدتين على زمن الفن النبيل، الذي لا تصنعه المنافسة بقدر ما تصنعه المحبة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى