توب ستوريخارجي

سلوى حجازي..التي أسقطت رادارات إسرائيل ودفعـت حياتها ثمنًا لوطنها

كانت سلوى حجازي أكثر من مجرد مذيعة لامعة في التلفزيون المصري؛ كانت روحًا متمردة، وقلبًا نابضًا بالوطن، وامرأة اختارت أن تضع حياتها على كفّها لتسهم في معركة استرداد الكرامة بعد نكسة 1967. ولدت في الفيوم عام 1933، ودخلت عالم الإعلام من بابه الواسع، لكن قدرها كان أكبر من الأستوديو وأضواء الشاشة؛ إذ أصبحت ـ في صمت كامل ـ إحدى سيدات جهاز المخابرات العامة المصرية، ونفذت ما يزيد على ثلاثين مهمة سرية في أوروبا وأمريكا وروسيا، كانت خلالها «حلقة الوصل الذهبية» بين الجهاز وعملائه في الخارج.

 

بعد النكسة، اشتدت حاجة مصر إلى عيون يقظة وآذان خبيرة قادرة على الوصول إلى أبعد نقطة خلف خطوط العدو. وكانت سلوى بما تمتاز به من ذكاء، وهدوء، وقدرة على التخفي تحت ستار عملها الإعلامي، الأنسب لحمل هذه الرسائل الحساسة. فتنقلت بين العواصم الكبرى حاملة تعليمات سرية، وعائدة بخرائط وتقارير ومعلومات غاية في الخطورة، سلمتها جميعًا إلى القاهرة لتسهم في إعادة بناء القدرات العسكرية والاستخباراتية المصرية.

 

كانت آخر مهامها في فبراير 1973، حين كُلِّفت بالسفر إلى ليبيا لاستلام ميكروفيلم ورسومات تخطيطية دقيقة لتحركات الجيش الإسرائيلي ومواقع الرادارات في سيناء. وكانت تلك المعلومات هي الحلقة الناقصة التي احتاجتها القوات المسلحة استعدادًا لمعركة العبور المنتظرة. أدت سلوى مهمتها بإتقان، لكنها شعرت ـ بحسّها الأمني الرفيع ـ أن ثمة من يتعقبها ويتفحص أمتعتها قبل صعود الطائرة. لم تتردد، فسلمت الخرائط والميكروفيلم إلى ضابط المخابرات المصري المكلف بتأمينها، قبل أن تستقل الطائرة الليبية المدنية المتجهة إلى القاهرة.

 

وفي الجو، تجلت خسة العدو. فقد اعترضت طائرة إسرائيلية الخط الملاحي بين ليبيا ومصر، وأطلقت صاروخًا هزّ الفضاء، فأُسقطت الطائرة المدنية التي تقل 108 ركاب من جنسيات مختلفة، ولم ينجُ سوى خمسة أشخاص فقط. كان اغتيالًا مقصودًا، واستهدافًا مباشرًا لامرأة صار إسهامها خطرًا على آلة الحرب الإسرائيلية. ارتقت سلوى شهيدة، لكن رسالتها وصلت، ووصل معها الميكروفيلم الذي استلمته المخابرات قبل الإقلاع، ليصبح أحد مفاتيح الضربة الجوية الأولى في حرب أكتوبر، التي دمرت عددًا كبيرًا من الرادارات الإسرائيلية في سيناء.

 

تركت سلوى وصية مؤثرة لأبنائها، كتبتها قبل سفرها الأخير، وكأنها كانت تستشعر المصير الذي ينتظرها. قالت فيها:

«لعلّ تكون هذه آخر كلماتي بينكم… من عاش لنفسه مات بلا أثر، وستروي لكم الأيام أني عشت لوطني. فإن عدتُ إليكم أشلاء فلا تحزنوا، بل افخروا بأن أمكم لم تكن مجرد مذيعة، بل مناضلة اختارت طريقها ابتغاء وجه الله وحبًّا لمصر».

 

رحلت سلوى حجازي، لكن أثرها باقٍ، وجهادها ظلّ محفورًا في ذاكرة الوطن. كانت نموذجًا للمرأة المصرية التي تخوض معارك الظلّ بصمت، وتمنح البلاد ما هو أثمن من الوقت والجهد: حياتها. ولذلك بقيت «المرأة الحديدية» إحدى أنصع صفحات المخابرات العامة المصرية، وشهيدة كتبت اسمها في سجل البطولة بدمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى