
في صيف عام 1985، جمع القدر صدفة بين الكاتب محمد بديع سربيه، رئيس تحرير مجلة الموعد، والممثل المعتزل إيهاب نافع، الذي كان وقتها مستشارًا لمصانع أسلحة عالمية ورجل أعمال متنقلاً بين الدول. أثناء تمشيهما في شارع الشانزليزيه بباريس، كشف إيهاب لسربيه أنه متزوج منذ ثلاث سنوات من السيدة الألمانية فالتراود، ويعيش معها في فرانكفورت.
بدأ إيهاب بسرد ظروف زواجه، مسترجعًا ذكريات يوم في مارس 1982، حين التقى بزوجته في فندق شيراتون هليوبوليس. أخبرته فالتراود أنها كانت تبحث عنه بناءً على وصية زوجها المتوفى منذ ثلاثة أشهر، وأن عليها الاتصال به لأنه صديق له. وعندما سأله سربيه عن زوجها، أجابه إيهاب: “زوجها شاب مصري الأصل اسمه جاك بيتون، وكان مقيماً في ألمانيا، وأعرفه منذ عام 1952. وعند وفاته ترك لزوجته ثروة كبيرة من أسهم شركة بترول.”
استغرب سربيه من الخبر، لكنه طلب من إيهاب صورة مع زوجته الألمانية، فأكد له إيهاب أنه سيرسلها لاحقًا مع تحذيره: “حذار أن تفرط بها، فقد تحتاج إليها يوم يذاع سر خطير عنها.”
مرت الأيام، وبعد ثلاث سنوات، عُرض الجزء الأول من مسلسل “رأفت الهجان”، الذي كشف منذ الحلقات الأولى عن شخصية الزوجة الألمانية، ما دفع إيهاب للإعلان أن زوجته هي الشخصية الحقيقية التي استوحي منها المسلسل شخصية رفعت الجمال أو جاك بيتون.
بعد انتشار المسلسل، حاولت الصحف تصوير الزوجة الألمانية، لكنها لم تتمكن من الوصول إليها، حتى تواصل إيهاب مع سربيه وحدد موعدًا للقاء. في ذلك اليوم، جلس سربيه مع محمود عبدالعزيز ويسرا، وكان اللقاء مع فالتراود.
سألها محمود عبدالعزيز: “هل شاهدت المسلسل؟” فردت: “نعم، وشاهده وترجمه لي زوجي إيهاب نافع.” وعند سؤالها عن أي اعتراض على الأحداث، قالت: “كان لابد أن تُضاف بعض التفاصيل لتصبح الأحداث أكثر واقعية. لقد زرت الكاتب صالح مرسي وأخبرته بالكثير مما عرفته عن زوجي، وأعتقد أن براعة الممثلين ساعدت في إبراز الجانب الواقعي للمسلسل.”
ابتسم محمود عبدالعزيز وأضاف: “في البداية لم أكن مقتنعًا بالتمثيل، لكن بعد قراءة القصة شعرت بشخصية البطل ودخلت قلبي.”
ردت الزوجة: “لكن المسلسل احتوى على أكثر من خطأ هام، مثل وضع صليب على نعش زوجي أثناء جنازته، بينما هو يهودي، أو تصويره وكأنه يدعي اليهودية.”
اعترف محمود قائلاً: “صحيح، هناك أخطاء، ولقد كنت مرهقًا جدًا خلال الأشهر الأربعة التي مثلت فيها شخصية رأفت الهجان، حتى أصبت بنزيف من الأنف.”
دخلت يسرا على الخط وسألت: “هل شعرت أنني مثلت شخصيتي على الشاشة كما هي في الواقع؟”
فأجابت الزوجة: “كنتِ في منتهى الشياكة وأظهرتِ أحاسيسي بدقة، وشعرت بالقرب منك أثناء المشاهدة.” ثم نظرت إلى محمود وسألته: “أما أنت؟”
ردت: “مستر محمود يختلف عن زوجي في الشكل، لكنه كان معبرًا عن شخصية جاك بيتون، أي رأفت الهجان. تأثرت كثيرًا بمشهد وداعه لمصر، كما تأثر آلاف المشاهدين.”
فأجاب محمود عبدالعزيز مبتسمًا: “شهادتك هذه تساوي مليون جنيه.”
وهكذا، كشفت الزوجة الألمانية الحقيقية لرأفت الهجان الستار عن الحقائق، وأوضحت الأخطاء التي وقع فيها المسلسل، مؤكدة أن الواقع كان أعمق وأكثر تعقيدًا مما ظهر على الشاشة، وأن براعة الممثلين كانت سببًا في نجاح العمل وإيصال جزء من الحقيقة إلى الجمهور.




