
في عام 1980، شهدت السينما المصرية تجربة فريدة من نوعها، حينما قدّم الفنان نور الشريف المخرج الشاب محمد خان لأول مرة كمخرج كامل في فيلم إنتاجه الخاص بعنوان “ضربة شمس”. لم يكن الحدث مقتصراً على إخراج خان الذي خاض تجربة جديدة على السينما المصرية، بل على مشاركة نخبة من الفنانين والابتكار في تقديم الشخصيات بأسلوب مختلف، مستوحى جزئياً من الفيلم الإيطالي Blow-Up لمايكل أنجلو أنطونيوني، مع اختلافات كبيرة في السيناريو لتتناسب مع الذوق المصري.
لكن الحدث الأبرز في هذا الفيلم كان بلا شك ظهور الفنانة ليلى فوزي، التي قدمت في هذا العمل أحد أفضل أدوارها على الإطلاق. دورها لم يكن تقليدياً أو مبنياً على الحوار والكلمات، بل كان يعتمد على حضورها في الكادر وحده، مما جعل كل مشهد لها ينبض بالتوتر والقلق والرعب. فليلى فوزي جسدت شخصية زعيمة عصابة، قادرة على القتل بدم بارد، تخرج مسدسها الصغير من حقيبتها وتنفذ مهامها بلا أي كلام.
ما يميز هذا الدور ليس فقط التمثيل الصامت، بل أيضاً التفاصيل الدقيقة في اللوك والمظهر. شعرها البني المتساقط على الجانبين، الجوانتي الأسود، الملابس الشتوية المكثفة، والمكياج الذي عتم بشرتها وجعلها تبدو دموية، كلها عناصر ساهمت في خلق شخصية إيقونية تبقى في ذاكرة المشاهد. لم تكن ليلى تعتمد هنا على جمالها المعتاد في بداية مسيرتها، بل على القدرة التمثيلية الخالصة التي سمحت لها بإظهار قوة الشخصية وجاذبيتها في نفس الوقت.
تصوير المشاهد كان من توقيع سعيد شيمي، فيما تولى كمال بكير مهمة الموسيقى التصويرية، وهو ما عزز من قوة الشخصية وأضفى عليها بعداً سينمائياً ممتعاً ومثيراً. وقد لاحظ النقاد والجمهور أن الفيلم، رغم كونه تجربة إخراجية أولى لمحمد خان، نجح في تقديم صورة مختلفة عن السينما التقليدية، حيث اعتمدت الأحداث على الإيقاع البصري والتمثيل الصامت، مع تأثير واضح من السينما الأوروبية.
ولم يكن الأمر سهلاً، فقد ترك محمد خان مساحة كبيرة لليلى فوزي للتعبير عن شخصيتها بحرية، وسمح لها بتقديم مونولوج صامت وحوارات داخلية تجعل المشاهد يتفاعل مع الشخصية من دون الحاجة إلى كلام مباشر. وقد عبرت الفنانة نفسها عن التحدي الذي واجهته، مشيرة إلى أنها وجدت في هذا الدور فرصة للابتعاد عن الشخصيات النمطية والاعتماد على الأداء الجسدي والعاطفي في آن واحد.
تأثير دور ليلى فوزي في الفيلم امتد إلى الأعمال اللاحقة، حيث حاول بعض المخرجين تقليد أسلوبها في شخصية الصامتة القوية. على سبيل المثال، في فيلم “صب بغداد” لمحمد إمام، تم تقديم شخصية مماثلة على يد أحمد العوضي، الذي حاول محاكاة الأداء الصامت والإيقاعي، لكن النتيجة كانت كوميدية وعبثية مقارنة بالإتقان الذي قدمته ليلى فوزي.
يبقى فيلم “ضربة شمس” محطة مهمة في تاريخ السينما المصرية، ليس فقط لأنه قدم المخرج محمد خان للجمهور، بل لأنه أبرز قوة الأداء التمثيلي لليلى فوزي وترك بصمة واضحة على مشاهد السينما، مع إبراز شخصية نسائية قوية، صامتة، ومؤثرة، أثبتت أن التمثيل لا يقتصر على الكلمات بل على القدرة على نقل المشاعر والحضور السينمائي المكثف.
في النهاية، يمكن القول إن هذا الدور شكّل قمة مسيرة ليلى فوزي الفنية، وجعلها أيقونة في تقديم الشخصيات المعقدة التي تجمع بين الجمال والقوة والقدرة على التحكم في المشهد دون الحاجة إلى الحوار، ليظل هذا الأداء واحداً من أهم ما قدمته السينما المصرية في ثمانينيات القرن الماضي.




