
لقد نجحت الهجرة النبوية المباركة بفضل الله – تعالى- أولا، ثم بفضل الاعتماد على الشباب الذين هم أمل كل أمة وعمودها الفقري.
لقد أعد النبي – صلى الله عليه وسلم– خطة الهجرة، واعتمد في تنفيذها ونجاحها على طاقة وتحمل وذكاء الشباب.
فاعتمد على الشباب في مرحلة ما قبل الهجرة للمدينة المنورة، وكانت مرحلة تمهيدية؛ حيث أرسل النبي – صلى الله عليه وسلم– سيدنا مصعب بن عمير– رضي الله عنه– وكان من أغنياء قريش؛ للمدينة المنورة؛ ممهدا لهجرته الشريفة ؛ فكان داعية المدينة ومقرئها، وأسلم على يديه خيرة الصحابة من الأنصار والذين كانوا بعد ذلك في شرف استقبال النبي– صلى الله عليه وسلم – عند هجرته.
كما اعتمد على الشباب في مرحلة تنفيذ خطة الهجرة للمدينة المنورة: فوزّع الأدوار على الشباب فيها توزيعا متقنا وبارعا:
حيث اعتمد – صلى الله عليه وسلم– في الخداع والتمويه: على سيدنا علي بن أبي طالب– رضي الله عنه– والذي نام في فراشه الشريف؛ حتى ينخدع المشركون فلا يتبعوه.
واعتمد على سيدنا عامر بن فهيرة – رضي الله عنه– ليمحو بغنمه أثناء رعيه لها آثار مسيره – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه سيدنا أبي بكر الصديق– رضي الله عنه– في الصحراء فلا يتوصل أحد إليهما.
واعتمد في الإمداد والتموين: على السيدة أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها– لإعداد الطعام والذهاب به إليهما في الغار، وبالرغم من أنها كانت حاملا وفي آخر أشهر حملها إلا أن ذلك لم يثنها عن تنفيذ ما كلفت به من قبل النبي– صلى الله عليه وسلم–.
واعتمد في الإمداد بالمعلومات وعمل المخابرات: على سيدنا عبد الله بن أبي بكر– رضي الله عنه– فكان يزودهما كل ليلة بأخبار المشركين وما يريدون فعله، فيبيت عندهما ويعود إلى القوم وقت السحر؛ حتى لا يشعر به أحد منهم.
ولما استقر أمر الإسلام في المدينة المنورة وقامت الدولة الإسلامية:
كان الاعتماد على الشباب في كل المجالات أكثر، والاستفادة من طاقاتهم وامكاناتهم وقوتهم أكبر، فما قامت الدولة في الإسلام واتسعت فتوحاتها إلا بجهود الشباب المسلم في كل المجالات الداخلية والخارجية.
ولم يكن اختيارهم لتحمل دورهم في الدولة الإسلامية قائما على المجاملة أو المحسوبية بل كان اختيارا دقيقا بمواصفات خاصة يقوم على الكفاءة والقدرة وإنجاز المهمات الموكولة لهم، فكان النبي – صلى اله عليه وسلم- يقول لأصحابه الكرام دوما: «إِنَّا وَاللهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ» ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه رقم: 1456)
وهكذا أثبت الشباب أنهم على قدر المسئولية التي وضعهم فيها النبي – صلى الله عليه وسلم –؛ فنجحوا في تنفيذ ما أوكل إليهم من مهام، وساهموا في نصرة دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى أتم الله – تعالى- عليهم فضله وأظهر دينه.
حفظ الله– تعالى- الشباب من كل سوء ومكروه، وهداهم إلى طريق الحق، ونفع بجهدهم وعملهم العباد، ورفع بهم شأن البلاد.