توب ستوريخارجي

ثلاثة كتب كانت وراء اغتيال العالم الكبير «جمال حمدان»

في الرابع عشر من إبريل 1993، وقعت جريمة قتل هزت العالم العربي، كانت ضحيتها شخصية مصرية بارزة، العالم والفيلسوف في الجغرافيا الدكتور جمال حمدان، صاحب المؤلفات التي حاولت رسم ملامح مصر بكل أبعادها. ففي تمام الساعة الرابعة بعد ظهر يوم السبت 17 إبريل، سقط جمال حمدان قتيلاً في شقته بشارع أمين الرافعي بحي الدقي، وسط ظروف غامضة ما زالت تحيط بقصته حتى اليوم، لتبقى الأسئلة معلقة حول هوية الجناة ودوافعهم الحقيقية.

 

لقد أثارت وفاة حمدان صدمة في الأوساط العلمية والفكرية، ليس فقط لفقدان عبقري مبدع وصف مصر بروحها وتاريخها وجغرافيتها، بل لأن الجريمة جاءت في توقيت حساس، مع اختفاء آخر ثلاث مؤلفات كان على وشك تسليمها للناشر، وهي: «اليهود والصهيونية»، و**«الإسلام المعاصر»، و«العلم والجغرافيا»**، ما دفع الكثيرين للاعتقاد أن القتل كان بهدف السيطرة على هذه الأفكار ومنع نشرها.

 

يستعرض شقيقه الأصغر، اللواء عبد العظيم حمدان، تفاصيل اليوم الأخير في حياة الراحل في الفيلم التسجيلي «مبني للمجهول»، حيث أكد أن جمال حمدان كان يسكن في شقة صغيرة بالدور الأرضي، وفي الدور العلوي سكن قبل شهرين ونصف من وفاته رجل وامرأة من أصول أجنبية، اختفيا يوم الحادث، وبالبحث عنهما تبين أنهما من أصول إسرائيلية.

 

تبدأ الحكاية في ذلك اليوم حين دخل جمال حمدان مطبخه لإعداد كوب شاي، وفاجئه رجل مجهول بضربه على رأسه بعصا فسقط مغشيًا عليه، ثم قام القاتل بقطع خرطوم الغاز وإشعال النيران في المطبخ، مستغلاً وجوده وحيدًا في المنزل، وسرق آخر ثلاثة كتب كان يعمل عليها قبل نشرها، لتصبح الجريمة أكثر تعقيدًا وغموضًا.

 

أسرع حراس المباني المجاورة لكسر باب الشقة، وعثروا على جسد جمال حمدان محروقًا جزئيًا، بينما تصاعد الجدل حول سبب الوفاة الحقيقي. إذ أفاد تقرير مفتش الصحة بالجيزة الدكتور يوسف الجندي بأن الحروق لم تكن السبب الرئيسي للوفاة، ولم يمت مختنقًا بالغاز، ما عزز التكهنات حول القتل العمد والاستهداف المباشر لشخصية حمدان ولمؤلفاته.

 

وتشير عدة تصريحات من الأسرة والمقربين إلى اختفاء مسودات الكتب التي كان بصدد الانتهاء منها، إذ لم تطل النيران مكتبته، وكان الطباخ الذي يعمل عنده قد اختفى قبل الحادث، ما زاد من الغموض حول الجريمة. كما أكدت جارته على مغادرة المستأجرين الأجانب الذين سكنوا في الشقة التي تعلوه قبل الحادث مباشرة واختفائهم بعد ذلك، ما أثار شبهة تورطهم في الحادث أو معرفتهم بتفاصيله.

 

تظل وفاة جمال حمدان رمزًا لفقدان العقل المفكر والفيلسوف الذي حاول تقديم مصر بصورة علمية دقيقة، وحمل رسالة فكرية لم تصل بعد إلى جميع القراء، كما يظل غموض هذه الجريمة شاهداً على الصراعات الخفية التي قد تواجه العلماء والمفكرين في حياتهم. اختفاء آخر كتبه الثلاثة ما زال لغزًا مفتوحًا، يثير جدلاً واسعًا بين المؤرخين وعشاق الفكر، ويجعل من الحادثة درسًا صارخًا عن التهديدات التي قد تصيب العباقرة في حياتهم وأعمالهم.

 

وفقدان جمال حمدان لا يمثل فقط فقدان شخص، بل فقدان جزء من التاريخ الفكري لمصر، حيث كانت مؤلفاته تشكل خريطة فكرية وثقافية شاملة، ويروي حادث اغتياله قصة مأساوية عن الطمع في المعرفة واحتكار الأفكار، ومازال العالم يتذكره كرمز للعلم، والجغرافيا، والفكر المستقل الذي لا يخضع للمصالح السياسية أو الضغوط الخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى