
يواصل المغرب خطواته لتوسيع نفوذه البحري وتعزيز تنافسيته في منطقة البحر الأبيض المتوسط، من خلال إطلاق واحد من أكبر مشاريعه الاستراتيجية في قطاع اللوجستيات والموانئ، إذ تستعد المملكة لتشغيل ميناء “الناظور غرب المتوسط” نهاية العام المقبل، في خطوة من شأنها إحداث نقلة نوعية في حركة التجارة والاستثمار شرق البلاد.
الميناء الجديد، الذي تبلغ كلفته الاستثمارية الحكومية 4.2 مليار دولار، من المتوقع أن يستقطب استثمارات خاصة مماثلة، ليشكّل أحد أهم المشاريع المينائية في شمال إفريقيا خلال العقد الجاري. ويأتي هذا التوجه في إطار رؤية المملكة لتعزيز حضورها في ممرات التجارة البحرية العالمية، خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه ميناء طنجة المتوسط الذي يتبوأ مكانة متقدمة على مستوى الحوض المتوسطي.
قدرات استيعابية ضخمة ومرافق طاقية متطورة
وفق تصريحات محمد جمال بنجلون، المدير العام لشركة “الناظور غرب المتوسط”، فإن الميناء سيبدأ بطاقته الكاملة عند 5.5 مليون حاوية سنوياً، إضافة إلى قدرة تخزينية للهيدروكربونات تصل إلى 25 مليون طن، وهي الأكبر داخل المغرب. كما سيضم الميناء محطة هي الأولى من نوعها في المملكة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال (LNG)، والمتوقع تشغيلها خلال النصف الأول من عام 2027، بطاقة تخزين قصوى تصل إلى 175 ألف متر مكعب.
ويعكس المشروع توجّه المغرب نحو تعزيز استعمال الغاز الطبيعي كطاقة انتقالية بديلة، بالتوازي مع تطوير مشاريع الطاقات المتجددة، وتقليل الاعتماد على المصادر الأحفورية التقليدية.
شراكات دولية واستثمارات نوعية
منذ تأسيس شركة “الناظور غرب المتوسط” عام 2012، عملت المملكة على بناء منظومة بنية تحتية ضخمة تربط الميناء بشبكة الطرق السريعة والسكك الحديدية، مع اعتماد معايير بيئية تعتمد على الطاقة النظيفة.
ونجح المشروع في استقطاب مجموعة من أبرز الشركات العالمية، وعلى رأسها شركة “إم إس سي” (MSC) السويسرية، أكبر مشغّل للحاويات في العالم، التي ستدير بالتعاون مع شركة “مرسى المغرب” محطة حاويات تمتد على مساحة 60 هكتاراً. وتعتزم الشركتان ضخ 280 مليون يورو لإنجاز المرحلة الأولى من المحطة التي ستدخل الخدمة في 2027.
تمويل متنوع يشمل السندات المحلية
تميز المشروع بنموذج تمويلي متنوع، حيث حصل على دعم من الحكومة المغربية والمؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الأفريقي للتنمية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إضافة إلى مساهمات محلية أبرزها صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما لجأت الشركة المكلّفة بالمشروع إلى إصدار سندات محلية بقيمة 1.2 مليار درهم خلال مارس الماضي، في خطوة تعكس ثقة المستثمرين في جدوى الميناء المستقبلية.
تعزيز التنمية شرق المملكة ورفع التنافسية الإقليمية
يُنتظر أن يشكل الميناء محوراً اقتصادياً جديداً يربط منطقة الناظور بالأسواق العالمية، عبر إنشاء مناطق صناعية ولوجستية مرافقة ستساهم في جذب استثمارات أجنبية مباشرة، وتوفير فرص عمل واسعة. ويرى الخبراء أن المشروع سيعزز قدرة المغرب على المنافسة داخل البحر الأبيض المتوسط، ويضيف ثقلاً استراتيجياً جديداً إلى بنيته المينائية التي تضم 44 ميناءً موزعة على سواحل تمتد لأكثر من 3500 كيلومتر.



