منّ علم المصريين فن التحنيط.. أسرار أغرب علم عرفته البشرية
يوجد في مصر العديد من المعتقدات الغريبة التي يتوارثها الأجيال من جيل لاخر باقية حتي الان وهناك شواهد كثيرة علي ان بعض الموروثات لازالت لدينا مثل عند الدعاء للمتوفي “بربنا يبشبش الطوبة الي تحت راسه” كما جاء في فيلم كتكوت للفنان محمد سعد و هو من الافلام الحديثة لعام 2006 و بالرجوع للاسرات الاولي في تاريخ مصر القديمة وجد ان كلمة “يبشبش” هي كلمة أصلها فرعوني وتعني بلل، إذ كان قدماء المصرين يصنعون وسادة توضع تحت رأس الميت من الكتان أو ورق البردي، مرسوم عليها الثور المقدس للإله آمون رع، وكتابات أخرى لتتعرف روح المتوفى على الجسد، وكانوا يدعون الإله أن يحفظ الوسادة مبللة لاعتقادهم أنها إن جفت فلن تعود الروح، أيضا عرف المصري القديم الحسد و السحر و التفائل و التشائم، لذلك كان له بعض المعتقدات لدرء السحر و الحسد و جلب الرزق عن طريق تحنيط و الاحتفاظ ببعض الزواحف كالكوبرا التي وجدت في صندوق خشب علي هيئة كوبرا ايضا و200 جعران ممياء محنطة لجلب الحظ و تم اكتشافها في سقارة في نوفمبر 2018 وتعود للاسرتين ال25 وال26، ورث المصريون حاليا تلك المعتقدات فأصبحوا يحنطو الزواحف لدرء السحر و الحسد و الطيور كالهدهد لجلب الرزق و الخير او الذئاب كعقاب لهم، تم العثور في سقارة علي ممياوات لقطط مختلفة الاحجام وكان يتم استخدمها للتعبد و الزينة كما يحدث في الوقت الحالي يتم استخدامهم للتزين و اظهار القوة عند تحنيط اسد او نمر و او وعل بقرونه.
كان الالهام للمصري القديم من نهر النيل الذي يغمر الارض اليابسة السوداء بالطين فتزدهر المزروعات و النباتات و ما ان ينحسر النهر تتيبس الارض و تموت النباتات و من الشمس شروقها وغروبها لذلك عرف المصري ان الحياة الدنيا هي مؤقتة ولابد ان هناك حياة اخري ابدية، ومن هنا جاءت الاساطير الديانية المصرية القجيمة الراوية عن البعث بعد الموت ولهذا وجب “التحنيط”، إن لفظ التحنيط لفظ سحري يحرك في عقولنا الأساطير الغامضة ويبحر بنا فوق مجموعة من الكلمات السحرية الأخري كالذئبق الأحمر و التركيبة السحرية و إكسير الحياة ستظل هي الكلمات السحرية الغامضة التي تدور في فلك كلمة التحنيط .منذ نعومة اظافرنا نعتقد ان التحنيط دئما مرتبط بالاثري إلا أن صحح لنا ذلك المفهوم مجموعة الكميائيين و باحثين في علوم حيوان و المصريات.وطالما تخيلنا ان التحنيط فعل سحري او سر من اسرار الكون لا تفك و ذلك لان المصريين القدماء كانوا يتوارثون المهن وكانت تلقن شفهيا من الاب الي الابناء لذلك كان للحصول علي مصادر المعلومات عبر مصادر مصرية خالصة كاوراق البردي مثل بردية ليدن ترجع للقرن العشرين قبل الميلاد.اومن الفحص العلمي للمومياوات و ايضا المؤرخين وايضا لم يكن تحنيط المصرين لاقربائهم بسبب الحب فقط بل بسبب ايضا العقيدة الدينية.
ارتبط التحنيط بالكهانه و كانت طقوسه بتتمارس قرب المعبد او المدفن و المكان اللى كان بيتعمل فيه التحنيط المصرين كانو بيسموه ” المكان المطهر ” او ” خيمة الاله “. مهنة رئيس المحنطين كانت مهنه مرموقه لكن مهنة اللى بيطلعو الاحشاء من الجسم كانت مهنه منبوذه اكمن فيها انتهاك لحرمة جسد المتوفى.
عرف التحنيط في مصر القديمة بكلمة “وتي” اي التكفين و كان يشار اليها بشكل البيضة وهذا الشكل الذي حير العلماء كثير حتي علموا انها تعني الانسان الميت المكفنن و ملفوف بالكتان وكان المصريين يحنطون مواتهم كما حنطن ايزيس و نفتيس أوزوريس ودفنوه في قصتهم الشهيرة. “إن الروح مستقرها السماء أم الجسد فإلي الارض” هكذا كانت فلسفة الموت لدي المصري القديم حيث كان الموت مرحلة انتقالية بين عالمين عالم الدنيا و عالم الحياة الاخرة لذلك كان يتم حفظ الجسد لحين العودة مرة اخري في الحياة الابدية حينما يريد تقول تعويذة المتوفي رقم 89 ” هذه هي روحي تعود لي من حيث أتت لتري جسدي مرة ثانية وتقف فوق موميائي” ونفهم هنا ان بأن الإنسان يتألف بصورة رئيسة من ثلاثة عناصرهي:
الجسم المادي القابل للتحلل
القرين( وتعرف بالمصرية القديمة بـ”الكا”) وهي صورة غير مرئية، تستقر في جسده عند مولده، وهذه الصورة تشبه صاحبها تماماً وهي التي القوة الحيوية والملاك الحارس وهي التي تجيب عن اسالة الاله بعد الموت اثناء الحساب “كما ذكر تحوتمس الثالث علي قرينة بالثور المنتصر الذي يتألق في طيبة بسبب ما يكنه المصرين من تقديس للقرين” لذلك كان القبر يسمي بدار الكا و ضمان بقاء القرين في الجسد بعد موت الشخص مشروط ببقاء الجسم سالماً من التلف والتفسخ والجوع لذلك يوضع الاكل و الشرب في المقابر
الروح (وتعرف بالمصرية القديمة بـ” الباء”) فهي تترك الجسد بعد الموت للمعتقد المصري فانها تخرج لأول مرة من جسد الإنسان بعد موته مباشرة وتأخذ وجود مستقلاً خارج الجسم حيث تصعد الى السماء ولا ترجع إلى جسد صاحبها المتوفي إلا إذا حافظ هذا الجسد على شكله سالماً من أذى التحلل والتفسخ في القبر.
متي بدا التحنيط:
ما قبل الاسرات كان التحنيط يترك للجفاف المناخ المصري فقط كانوا يدفنون موتاهم في القبور في اعماق كبيرة، مما قدم للمصرين معرفة اولية عن مباديء علم التحنيط حيث اختاروا الاماكن الجافة في هوامش الصحراء الغربية. فكان الجسد يوضع في قبر مليء بالرمال الحارة في الصحراء ، وهذه الرمال التي تلامس الجسد هي كفيلة بان تمتص السوائل الموجودة فيه حتى يجف.
بدأ مع أواخر الألف الرابع قبل الميلاد نلاحظ ان المصريين قد بدأوا يجففون أجساد موتاهم في الشمس ومن ثم يضعونها في القبر، وفي فترات لاحقة زاد الاعتناء بعملية حفظ الجثة ، فبعد تجفيفها في الشمس كانت تلف بجلود الحيوانات ، وهكذا أخذ الاتجاه نحو التحنيط الصحيح
تطور مع بداية الاسرة الاولي و الثانية مابين ٣١٩٧ -٢٧٧٨ق.م: كشفت التنقيبات ان الأجسام المدفونة في مقابرهم قد كفنت بالجلود أو الحصائر بعناية ودقة وكانت الرأس تلف وحدها و الجسم لوحده .
تم العصور في مقابر الأسرة الرابعة علي صندوق يحوي بداخله على أحشاء جسم داخلية محفوظة بمادة النطرون وهي تعود لجثة الملكة “حتب” والدة الملك خوفو ، هذا مع العلم أن عملية نزع الأحشاء الداخلية للجسم ووضعها في مواد حافظة من العمليات المهمة التي ترافق التحنيط . وليس من المستبعد أن المصرين قد توصلوا إلى تمليح الجثة بمرور الزمن من خلال تمليح وتجفيف الطعام المراد حفظه، فالتمليح والتجفيف أساس التحنيط وعلى أية حال فان التحنيط الصحيح بقي يستعمل في وادي النيل منذ الأسرة الرابعة حتى أوائل العهد المسيحي ويجدر القول أن استخدام المواد الطبية قد شهد تطوراً كبيرا خلال عصر الدولة المصرية الحديثة (١٥٨٠ -١٠٨٥ق .م) ، لذلك فإن جل الجثث المحنطة والمحافظة على شكلها إلى حد كبير قد عثر عليها في مقابر الدولة المصرية الحديثة. وتعد “مقبرة 320” المسماة بخبيئة الدير البحري من أهم الإكتشافات الأثرية ويرجع ذلك لعام 1871م، وهي جبانة ملكية تقع على البر الغربي لنهر النيل في مواجهة مدينة الأقصر الحالية وضمت المومياوات والتجهيزات الجنائزية لأكثر من خمسين شخصية فرعونية عالية المقام ما بين ملوك وملكات وأمراء ونبلاء من أسرات مختلفة تناوبت على حكم مصر.
مواد التحنيط:
النطرون :-
مادة تتكون من بيكربونات وكربونات الصوديوم في حالة غير نقية وقد عثر على النطرون في أواني وأوعية في المقابر إلى ما وجد منه على الأجسام والكفائن، وفي ثلاثة مناطق رئيسة كانت توجد هذه المادة هي (وادي النطرون والكاب بالقرب من ادفو، ونقراش بالدلتا)، حيث يحدث في فترة فيضان النيل وانحسار مياهه أن تتكون بحيرات صغيرة هنا وهناك ، وبعد مدة يتبخر ماءها لتتكون طبقة بيضاء من الملح عرفت باسم النطرون والتي استخدمها المصريون منذ عصر الأسرة الرابعة كمادة لتجفيف الجثث من الداخل والخارج.
القار :-
ويقصد به الزفت الطبيعي ، وهذه المادة كانت تأتي من بلاد فلسطين والبحر الميت على إن هذه المادة لم تستخدم في التحنيط بشكل واضح قبل الاسرة ال21والتي لها القدرة في الحفاظ على الجسم من التفسخ والتحلل، ومن أبرز المومياوات بها “نسي خنسو- الأسرة 21 عصر بانجم الثاني”991-970ق.م”، وهي الزوجة الثانية لكبير كهنة أمون “بانجم الثاني”، وتمثل نموذجا متطورا لأسلوب التحنيط بالأسرة 21، حيث أعطت العينان المطعمتان واللون الأصفر الداكن للبشرة الإحساس بالحيوية والنضارة(المتحف المصري).
المواد الراتنجية :-
هي من المواد الأساسية التي كانت تستخدم في التحنيط والراتنج عبارة عن زيت ثخين يؤخذ من عصارة جذع بعض النباتات ليستخدم في مجالات مختلفة ، ومن انواعه الصمغ والمر، فأما الصمغ يستخدم للصق لفائف الكتان التي تلف بها المومياء ويستخرج من شجر يعرف بشجر السنط، وكان الصمغ الذي استخدم في التحنيط في مسح الجسم بعد التحنيط ، اوكبخور في المعابد هذه المادة بالإضافة إلى مواد عطرية أخرى تستورد من بلاد العرب الجنوبية.
شمع النحل:-
استخدمت هذه المادة في عملية التحنيط من أجل غفل العينين ،وسد الفم ولصق الجراح الأخرى من الجسم.
خيار شنبر (الكاسيا) والقرفة :-
هما نوع من البهارات التي آانت تستخدم كمواد مجففة ، وهذه المواد عبارة عن قشور مجففة أو مطحونة تؤخذ من أشجار تنبت في الهند والصين.
البصل والنبيذ:-
تساعد في الحفاظ على الجثة من التفسخ والتعفن، ومع إن هذه المادة كانت توضع فوق الجثة و فوق الأذن والعين، غير إنه في أغلب ، وكشرائح بصل توضع داخل جوف الجثة الذي بدأ استخدامه منذ عصر الأسرة الثالثة عشر(حكمت هي والأسرة الرابعة عشر من عام(١٧٨٥-١٧٣٠ق.م) وفضلاً عن البصل فقد استخدم نبيذ التمر كمادة حامضية تستخدم في تجفيف الجوف كما وجد في ممياء الملكة تي تي شيري التي تعود الي الاسرة ال18.(المتحف المصري)
أنواع الأزهار والخضروات:-
بقصد تعطير الجثة وإضفاء نوع من الجمال عليها، وهذه النباتات في الأكثر توضع في أكفان المومياءات
الزيوت النباتية:-
يستخرج من حبوبها الزيت كزيت العرعر الذي يكثر في مصر، وهذا الزيت يستخدم في مسح الجثة من الخارج بعد التحنيط من أجل المحافظة على طراوة.
المواد النباتية الأخرى:-
التي دخلت في عملية التحنيط هي نشارة الخشب والكتان اللتان استخدمتا لحشو جوف الجسم بعد عملية تنظيفه من الأحشاء الداخلية ، كذلك دخل في عملية التحنيط نبات الحناء ، لتجميل الجثة ليس إلا ، وهذا واضح من خلال أثار أصباغ الحناء التي وجدت ، أيضاً استخدم زيت خشب في منطقة الشعر، أو على أصابع اليدين والرجلين
العقاقير ذات الروائح :-
تستخدم كمواد معطرة يمسح بها الجسم بعد، كزيت الزيتون، وصمغ الراتنج واللبان وفي مراسيم التحنيط والدفن والأعياد وكان اللبان يستخدم أيضاً للبخور للتعطي
الملح (كلوريد الصوديوم) من المواد المهمة التي كانت تدخل في عملية التحنيط ومن المرجح أنه كان يستخدم كبديل عن النطرون كمادة مجففه فهو يوجد في النطرون بنسبة قد تصل إلى ٥٠%.
إن لاختيار المكان لهذه العملية المقدسة اهمية حيث لابد ان يكون المكان طاهرا و في غرب النيل حيث مملكة الموتي.
يذهب الاهالي حاملين المتوفي الي احدي ورش التحنيط بقرب الجبانة و يمدونه بالمعلومات عن هوية المتوفي والتي اذا لم يتم تحديدها بدقة يضيع الجسد من الروح ولا يلحق بالجنة او ما سموه “بحقول الايارو” وهنا نجد نص من إمرأة الي اخيها بردية برقم 499 في المتحف المصري تعود للقرن الثاني الميلادي تقول له ” أرسل اليك جسد امي (سنوريس) وعليها بطاقة حول رقبتها كتبها (طاليس) والد (هيراكس)وختيار طريقة التحنيط ودفع التكلفة وهذا وصف الجسد عليها من اعلي كفن ذو لون وردي والاسم مسجل علي منطقة البطن”.
جرت عملية التحنيط بثلاثة انواع لثلاثة طبقات:
الطبقة العليا و هي الاعلي جودةو اعلي ثمن حيث إخراج المخ والامعاء.
الطبقة الوسطي حيث يتم استخراج الاحشاء بتحليلها عن طريق زيت الارز فلا يتم المحافظة عليها.
الطبقة الفقيرة فقط يتم تجفيف الميت بكامل احشائه ودهنة ولفة بالكتان.
الاله المرتبطة بالتحنيط:
كان الهام المصرين القدماء من عملية تحنيط الاله المحبب لديهم “ازوريس” وليسيروا علي نهجه ،وكان ربط المصريون القدماء التحنيط بثمان الهة وهم
أزوريس: اول من تم تحنيط جسده.
إيزيس: اول من قام بتحنيط زوجها بمساعدة الالهه ودفنته.
نفتيس: أخت ازوريس وهي التي ظلت تندب عليه و التي ساعدت ايزيس في التحنيط والدفن
آنوبيس: وهو الذي ارسله الاله رع كي يعلمهن التحنيط و يساعدهم في حفظ الجسد
أولاد حورس الاربعة: وهم من حضروا مراسم التحنيط
ومن هنا استنبط المصري حالة التحنيط وبتعويض كهنة التحنيط محل الالهة يصبح لدينا تلك العملية الغاية في التعقيد التي لم تكن تتوارث طوال مدة الدول القديمة الا لو كانت شديدة القدسية.