توب ستوريخدمي

إكرام عزو… طفلة ملأت الشاشة حضورًا ثم انسحبت في صمت

في تاريخ السينما المصرية، يلمع اسم إكرام عزو كواحدة من أبرز نجمات الطفولة اللواتي عبرن الشاشة بمرحٍ خاطف وتركْن أثراً لا يُنسى. ولدت في 14 مايو، وجاءت إلى الفن وفي بيتها سابقة؛ فشقيقاها ميرفت ورفعت عملا قبلها في الوسط الفني، وقد ظهرت ميرفت إلى جوارها في فيلم السبع بنات، غير أن دورها كان محدوداً فلم يلتفت إليها الجمهور. أما إكرام، فكان لها شأن آخر، إذ امتلكت حضوراً استثنائياً، وملامحَ تجمع البراءة والقبول، وموهبة لافتة جعلتها قادرة على خطف الكاميرا في مشاهد قصيرة.

 

بدأت رحلة إكرام عزو مع التمثيل عام 1959، وهي لم تكمل عامها الثالث، حين اختارها المخرج محمود ذو الفقار لتجسيد دور صبي صغير هو ابن شادية في فيلم المرأة المجهولة. وبرغم أن الدور كان لولد، فقد أجادته الطفلة بملامحها الهادئة ونظراتها البريئة. وفي مشهد لا يُنسى، غنّت لها شادية “سيد الحبايب”، الأغنية التي أصبحت أيقونة في الاحتفال بعيد الأم، وكأن القدر يكتب للطفلة الصغيرة أول بصمة في ذاكرة ملايين المشاهدين.

 

وفي العام التالي، قدّمها المخرج الكبير فطين عبد الوهاب في دور لافت بفيلم الفانوس السحري، حيث ظهرت بدور طفلة تحمل فانوساً قديماً تطلب استبداله بآخر جديد، في المشهد الذي يبدأ منه خط رحلة الفانوس الذي سيجلب العفريت الشهير “عفركوش” لإسماعيل يس. وعلى الرغم من صغر حجم الدور، فإن المخرج لاحظ موهبتها وتلقائيتها، وظلت في ذاكرته حتى جاء عام 1960، ليختارها في واحد من أهم أدوارها على الإطلاق: فيلم عائلة زيزي. هناك، قدّمت دور “سوسو” الطفلة المشاكسة صاحبة الجملة الأشهر: “أربعة يا ماما”… جملة تحوّلت إلى لازمة شعبية تتردد حتى اليوم.

 

لم يكن اختيار فطين عبد الوهاب عابراً؛ فقد قدّمها وسط نخبة من ألمع نجوم العصر الذهبي: فؤاد المهندس، سعاد حسني، أحمد رمزي، وعقيلة راتب. وبرغم صغر سنها، أدّت مشاهدها معهم بثقة طفل لا يخشى الكاميرا، وإنما يحتضنها.

 

وفي عام 1961، كثّفت إكرام ظهورها السينمائي، فشاركت في أفلام لا تذكريني وغداً يوم آخر، ثم قدمت واحداً من أجمل أدوارها في فيلم السبع بنات للمخرج عاطف سالم؛ المخرج المعروف بقدرته على إدارة الممثلين الأطفال وصنع مساحات خاصة لهم داخل العمل، كما فعل لاحقاً في أم العروسة والحفيد. في هذا الفيلم أطلقت إكرام عبارتها الشهيرة ببساطتها المحببة: “أنا عروسة”، في مشهد جمعها بعمر الحريري، وتحوّلت الجملة إلى إحدى العلامات الخاصة في تاريخ أدوار الطفولة.

 

واستمرت إكرام تعمل حتى عام 1966 حين قدّمت آخر أدوارها في فيلم الزوج العازب مع فريد شوقي، بدور الطفلة “نعناعة”. بعدها توقفت فجأة، وقررت أن تهتم بدراستها، مبتعدة عن الأضواء في قرار نادر بين أطفال السينما الذين عادةً ما يستمرّون أو يتعثرون أو يختفون في صمت. ورغم نجاحها، اختارت بصيرة هادئة أن تعود إلى حياة طبيعية.

 

ومثلما لمعت بسرعة، ابتعدت بهدوء. فقد كبرت إكرام عزو وتزوجت من طبيب الأطفال سمير الصاوي، وأنجبت ثلاثة أبناء: أحمد، إبراهيم، ونورهان. ثم اختارت مهنة بعيدة تماماً عن الفن، فعملت مُدرّسة، مستقرة في حياة أسرية بعيدة عن صخب الكاميرات.

 

لكن حياتها الصحية لم تكن سهلة؛ فقد عانت من مشكلة خطيرة في القلب نتيجة اضطراب كهربائي، وخضعت لعملية جراحية دقيقة، نصحها الأطباء بعدها بالراحة التامة. غير أن إكرام، بطبعها الروحاني وإصرارها الهادئ، رفضت تأجيل فريضة الحج، وأصرّت على السفر رغم كل التحذيرات. أدت المناسك كما تمنّت، ولكنها عادت منهكة، وقد تمكّن المرض منها، فرحلت في 13 يونيو 2001، تاركة وراءها صوراً لا تُنسى وابتسامة صغيرة بحجم ذاكرة جيل كامل.

 

هكذا كانت إكرام عزو: طفلة سبقت عمرها، نجمة لمعَت فجأة، ثم اختارت أن تنسحب من العالم الفني كما دخلت إليه… ببساطة، وهدوء، وكثير من البراءة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى