توب ستوريفن

أسرار الأحجبة التي لن يخبرك بها أحد

منذ فجر التاريخ، حاول الإنسان مواجهة المخاوف والشرور المحيطة به، سواء كانت أمراضًا غامضة، أعداءً خفيين، أو “عين حاسدة” تهدد حياته ورزقه، ومن رحم هذا القلق الإنساني نشأت فكرة الأحجبة والحرز، التي امتزجت فيها الممارسة الشعبية بالإيمان الديني، وظلت متوارثة عبر العصور حتى يومنا هذا.

 

أصل الأحجبة والحرز

 

تشير الدراسات التاريخية والأثرية إلى أن استخدام الأحجبة والتمائم يعود إلى الحضارات القديمة. ففي مقابر الفراعنة وُجدت تمائم وجرار صغيرة اعتبرت درعًا واقيًا للميت في رحلته إلى العالم الآخر، كما استخدم البابليون أحجارًا منقوشة برموز غامضة لأغراض الحماية. ومع ظهور الحضارة الإسلامية، عرف الحرز الذي غالبًا ما احتوى على آيات قرآنية أو أدعية نبوية، يعلقها المسلم على صدره أو يخبئها في ملابسه طلبًا للحماية والبركة.

 

بين الدين والعرف

 

في الموروث الإسلامي، اختلف الفقهاء حول مشروعية الأحجبة؛ فبينما رأى البعض أنها نوع من الشرك إذا خلت من نصوص قرآنية صحيحة، اعتبر آخرون جوازها إذا احتوت على كلام الله أو أدعية ثابتة. وفي الثقافة الشعبية، تجاوز الحرز كونه نصًا دينيًا ليصبح خليطًا من تعاويذ ورموز مكتوبة بالحبر السري أو على قطع قماش ملون، تعلق على الصدر أو في البيوت والسيارات لاعتقاد الناس بقدرتها على الحماية.

 

أشكال وألوان الأحجبة

 

تنوعت الأحجبة بحسب الغرض منها: هناك أحجبة للحماية من العين، وأخرى لجلب الرزق، وأخرى للحب والزواج. في الريف المصري، كانت النساء يخطن للأطفال أحجبة صغيرة تعلق في ملابسهم لتقيهم الحسد، وفي الصعيد، عرف الحرز المصنوع من الجلد على هيئة علبة صغيرة تتدلى من الرقبة. أما في المدن، فانتشرت أوراق مطوية بعناية كتبها “شيخ” أو “حكيم” معروف بقدراته على التحصين الروحي.

 

الحكايات الشعبية حول الأحجبة

 

لا تخلو الذاكرة الشعبية من قصص تروي تأثير الأحجبة على حياة الناس. هناك من يؤكد أن الحرز أنقذه من حادث، أو حماية طفل من مرض غامض، بينما يروي آخرون حكايات عن أشخاص دفعوا أموالًا طائلة مقابل أحجبة لم تحقق لهم أي نتيجة. وفي بعض مناطق الصعيد، تردد النساء حتى اليوم: “الحرز يرد العين، لكن الرزق على الله”.

 

بين الحماية والوهم

 

مع تطور العلم وازدهار الطب النفسي والاجتماعي، أصبح استخدام الأحجبة جزءًا من الثقافة الشعبية أكثر من كونه وسيلة واقعية للحماية. فهي تجسد حاجة الإنسان للشعور بالأمان ومواجهة المجهول، وتحمل قيمًا تراثية تنتقل عبر الأجيال. ورغم تراجع الإقبال عليها، ما زالت تباع في الأسواق الشعبية بجوار المباخر والسبح، لتؤكد استمرار حضورها في الوجدان الشعبي.

 

ما بين الإيمان والخرافة

 

يظل الجدل قائمًا: هل الأحجبة تعبير عن إيمان بسيط بالفطرة، أم مجرد خرافة استغلها المشعوذون؟ حضورها المستمر يكشف عن حاجة نفسية عميقة لا تلغيها حملات التوعية ولا يبددها العلم. ومع ذلك، يحذر العلماء من تعليق الأحجبة بقصد التحصين ضد العين أو السحر، معتبرين هذه الممارسات نوعًا من الشرك الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي التحذير منها والنهي عنها.

 

الأحجبة والحرز إذن ليست مجرد قطع ورق أو جلد، بل هي انعكاس لموروث إنساني متجذر، يعكس خوف الإنسان من المجهول ورغبته في الحماية والطمأنينة، ويظل صدى تلك الممارسات حاضراً بين التراث الشعبي والدين، بين الإيمان والخرافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى