
في أوائل عام 1898، وصل البارون دي روستي، سفير النمسا والمجر الجديدة، إلى مصر. ومنذ اللحظات الأولى، وقع في حب مصر والمصريين، وكان لإسكندرية مكانة خاصة في قلبه، خصوصًا بعد أن جمعه القدر بحب عمره، فتاة إيطالية شعر أن حياته لن تكتمل إلا بها.
بعد عدة لقاءات، اتفق الزوجان على الزواج، معتقدين أن الحياة قد ابتسمت لهما، لكن خبر الزواج وصل إلى المجر، حيث شنت عائلة دي روستي حربًا ضروسًا عليه، مهددة إياه بالضغوط النفسية لأن زواجه خالف تقاليد النبلاء، الذين يُلزَمون بالارتباط بنبيلة من مستواهم الاجتماعي. رفض دي روستي التراجع عن حبه، خاصة بعد كلمات زوجته المشجعة التي قالت له: “مبروك.. هتبقى أجمل أب في العالم”.
ومع ذلك، فرضت العائلة عليه الانتقال إلى سفارة المجر في طهران، واضطر للسفر وترك زوجته الحامل، على أمل أن تلحق به لاحقًا. لكن القدر كتب فراقهما الأبدي بعد تلقي الزوجة خبر وفاة دي روستي، لتواجه وحدها حملها وتلد ابنها إستيفانو عام 1900.
اختارت الأم أن تبقى في مصر وتربي ابنها بعيدًا عن ضغوط العائلة، معتمدة على نفسها لكسب لقمة العيش. تربى إستيفانو في مدرسة رأس التين، وأظهر نبوغًا في الدراسة والفنون، لكن الديون المتراكمة على الأسرة أجبرت الأسرة على بيع منزلها الصغير، واضطر إستيفانو للعمل في سن مبكرة لصالح نجار إيطالي، حيث تعلم معنى المسؤولية منذ الصغر.
مرت السنوات، وتنقل إستيفانو بين عدة أعمال، من مساعد في الفرق المسرحية إلى بوستجي، قبل أن يحصل على وظيفة في دار الأوبرا في القاهرة، حيث أصبح مسؤولًا عن فتح وقفل الستارة. هناك تعرف على فرق أوروبية وأصبحت له علاقات جعلته يكتسب خبرة واسعة، وتعلّق بحب فتاة نمساوية وسافر معها إلى أوروبا، لكنه واجه صعوبات كبيرة، منها دخوله السجن ووفاة حبيبته، ما ترك أثرًا نفسيًا عميقًا.
عاد إستيفانو إلى مصر وبدأ مشواره الفني مع فرقة يوسف وهبي، حيث غيّر اسمه إلى “إستيفان روستي”. شارك لاحقًا في إخراج أول فيلم مصري “ليلى” مع عزيزة أمير، لكنه سرعان ما عاد إلى التمثيل، مؤكدًا على موهبته الكوميدية.
عاش إستيفان حياته الشخصية بحزن متواصل، فقد فقد ابنه الأول بعد ولادته بأسبوع، فيما رحلت زوجته بعد سنوات من الصدمات النفسية التي عانت منها. وتوفي إستيفان يوم 12 مايو 1964، جراء أزمة قلبية، تاركًا إرثًا محدودًا جدًا، حتى أن ممتلكاته المالية لم تتجاوز سبعة جنيهات فقط. وبعد وفاته، تكفلت نقابة الممثلين بمساعدة أرملته، التي عادت إلى بلادها واختفت عن الأنظار، تاركة خلفها قصة كوميدية حزينة عن أحد أعظم كوميديي السينما المصرية.




