
يعرفها الجميع من خلال كتابها الشهير «أبلة نظيرة»، الذي صار مرجعًا لا غنى عنه في فنون الطبخ المصري والعربي، لكن قلة من الناس يعرفون حقيقة صاحبة هذا الكتاب الرائد، المرأة التي وضعت أسس التعليم المنزلي والغذائي في مصر، وجعلت من الطهي علمًا يُدرّس لا مجرد هواية.
اسمها الحقيقي نظيرة نيقولا، وُلدت في مصر عام 1902، والتحقت بكلية التدبير المنزلي التي كانت تُعنى بتأهيل الفتيات على إدارة شؤون المنزل بطريقة علمية. تميزت نظيرة بين زميلاتها، فاختارتها وزارة المعارف ضمن بعثة ضمت أربع عشرة فتاة للسفر إلى جامعة جلوستر في إنجلترا لاستكمال الدراسة في مجال التدبير المنزلي لمدة ثلاث سنوات.
وبعد عودتها إلى مصر، بدأت مسيرتها المهنية كمدرّسة للتدبير المنزلي، ثم رُقيت لتصبح المفتشة العامة بوزارة التربية والتعليم. وقد كرست جهودها لنشر الوعي بأهمية الثقافة النسوية، التي كانت تُعرف آنذاك بهذا الاسم قبل أن تتحول لاحقًا إلى مادة “التدبير المنزلي”.
في ثلاثينيات القرن العشرين، نشأت صداقة مهنية بين نظيرة نيقولا وبهية عثمان، التي كانت بدورها خريجة كلية “بردج هوس” في لندن وتشغل منصب المفتشة العامة بوزارة المعارف. وجمعت بين السيدتين الرغبة في تطوير تعليم الفتيات وإعداد مرجع علمي شامل في فنون الطهي.
وفي الأربعينيات، أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة لتأليف كتاب شامل في الطبخ يعتمد كمنهج دراسي للفتيات، فاغتنمت أبلة نظيرة الفرصة بالتعاون مع زميلتها بهية عثمان، وألفتا معًا كتابهما الشهير «أصول الطهي»، الذي جاء في أكثر من 800 صفحة. وقد حرصتا على تقديم الكتاب إلى الملكة فريدة، حيث أوضحتا في مقدمته أن الهدف من تأليفه هو سد النقص في المراجع العربية الخاصة بفنون الطهي، وتنشئة الفتاة المصرية على فهم الحياة المنزلية وإدارتها بوعي ومعرفة.
تميز الكتاب بأسلوبه العلمي البسيط، فوثّق جميع الأكلات المصرية التقليدية، وشرح طرق إعدادها خطوة بخطوة، مع تناول الجوانب الصحية والغذائية المتعلقة بالطعام. كما كان بمثابة موسوعة حقيقية تحفظ المطبخ المصري من الاندثار.
بعد انتشار الكتاب وشهرته، أصبحت أبلة نظيرة وجهًا معروفًا في وسائل الإعلام، فقدمت فقرة إذاعية ثابتة بالتعاون مع الإذاعية الكبيرة صفية المهندس، وكانت تتواصل من خلالها مع النساء لتقديم النصائح والوصفات بأسلوب تربوي راقٍ. كما كتبت مقالات دورية في مجلة حواء، تناولت فيها موضوعات الطهي والتغذية وإدارة المنزل.
وسرعان ما تجاوز كتابها حدود التعليم، فأصبح الأكثر مبيعًا في الأسواق المصرية والعربية، حتى قررت وزارة المعارف وقف تدريسه رسميًا بعد أن تحول إلى كتاب تجاري جماهيري. ومع ذلك، ظل مرجعًا موثوقًا في كل بيت، وأعادت أبلة نظيرة طباعته وتحديثه أكثر من اثنتي عشرة مرة، محافظةً على دقته وشموليته.
استمرت مسيرتها الحافلة بالعطاء حتى وفاتها في عام 1992 عن عمر ناهز التسعين عامًا، تاركة وراءها إرثًا ثقافيًا لا يقدّر بثمن. لقد كانت أبلة نظيرة بحق رائدة علم الطهي في العالم العربي، ومعلمة الأجيال التي حولت “المطبخ” من مساحة منزلية إلى مدرسة علمية وثقافية قائمة بذاتها.




