توب ستوريخارجي

حزن سكن ملامح ناهد شريف منذ النجومية حتى الرحيل

نشرت مجلة «المصور» في أحد أعدادها ملفًا إنسانيًا مؤثرًا عن الحزن الذي ظل يلازم حياة الفنانة ناهد شريف، كأنما كان قدرًا مكتوبًا على ملامحها قبل أن تكتبه الأيام في مسيرتها القصيرة. فمنذ أكثر من عشرين عامًا على رحيلها، لا تزال صورتها تثير في النفس إحساسًا غامضًا بأن هذه المرأة الجميلة عاشت رحلة عذاب لا تنتهي، حتى وهي تقف في قلب الضوء.

منذ أن قدمها المخرج حسين حلمي المهندس إلى الشاشة في أواخر ستينيات القرن الماضي، واختارها لبطولة فيلم «العاصفة من الحب»، كان الحزن حاضرًا في تفاصيلها الصغيرة. لم يكن حزنًا مصطنعًا أو مستعارًا لأداء الأدوار، بل كان مقيمًا في نظرة عينيها، وفي رنة صوتها الخفيض الهامس، وفي ذلك الصمت الذي يسبق كلماتها وكأنه اعتراف غير منطوق بألم دفين.

كانت ناهد شريف لا تظهر وحدها تقريبًا؛ إذ اعتادت أن تصطحب شقيقتها التي عانت من شلل الأطفال منذ الصغر، وكأن وجود الأخت كان امتدادًا لوجع مشترك، أو سندًا نفسيًا لا غنى عنه. والمفارقة أن ناهد نفسها لم تكن بعيدة عن هذا الألم الجسدي، فقد عانت في طفولتها من بدايات شلل الأطفال، وهو ما ترك أثره في بطء حركة ذراعها اليسرى. هكذا اجتمع الألم الجسدي مع الوجدان الحزين، ليصنعا شخصية شفافة، حساسة، تحمل وجعها في صمت.

حتى عندما عبرت ناهد شريف بوابة النجومية سريعًا، وحققت نجاحًا لافتًا في بداياتها، ثم تزوجت من مخرجها حسين حلمي المهندس، لم يغادرها ذلك الظل الثقيل من الحزن. كان يبدو كأنه جزء من تكوينها، لا تهزمه شهرة، ولا تزيله أضواء، ولا تمحوه ابتسامة على السجادة الحمراء.

مشت ناهد شريف في رحلة الحياة بخطوات سريعة، وكم كانت قصيرة تلك الرحلة. لم يتجاوز عمرها الأربعين عامًا حين ساقها القدر إلى نهاية مأساوية، بعد مسار حافل بالتجارب القاسية. انفصلت عن حسين حلمي المهندس بالطلاق، وإن ظلت بينهما صداقة فنية واحترام متبادل، ثم تزوجت بعد ذلك مرتين. وكانت، في كل مرة، تبحث عن السعادة كمن يطارد طيفًا بعيدًا، تراه ولا تمسك به.

يمكن الجزم، كما قالت «المصور»، بأن الحياة لم تمنح ناهد شريف الكثير من الفرح، بقدر ما أغدقت عليها من اختبارات الشقاء. لم تستطع الشهرة أن تعوضها عما افتقدته إنسانيًا، ولم تخفف النجاحات الفنية المتعددة من شعورها الداخلي بالوحدة والحزن. ورغم ذلك، تركت ناهد بصمة واضحة في السينما المصرية؛ فقد ساهمت في إنجاح أعمال مهمة، وأعادت بوجودها وهجًا لنجوم كادوا يودعون الساحة، وشاركت في ميلاد فني جديد لبعض كبار الممثلين.

أما معاناتها الأخيرة مع المرض، فهي فصل موجع لا يحتاج إلى كثير من التفصيل. ذلك المرض اللعين الذي افترس جسدها في شهورها الأخيرة، وخطف منها بقايا السعادة التي كانت تحوم حولها على استحياء، كان بمثابة الخاتمة القاسية لرحلة لم تعرف الاستقرار ولا الطمأنينة.

هكذا عاشت ناهد شريف، وهكذا رحلت: فنانة موهوبة، جميلة، محاطة بالضوء من الخارج، وبالحزن من الداخل، تاركة خلفها سيرة إنسانية موجعة، لا تقل عمقًا وتأثيرًا عن أدوارها على الشاشة.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى